منتديات الراعى و الخراف
عزيزنا الزائر مرحبا بك فى منتديات الراعى و الخراف اذا كنت غير مسجل فبرجاء التسجيل و ننال شرف انا تكون من اسره الراعى و الخراف و ان كنت مسجل بالفعل فتفضل بالدخول و شكرا لك لزياره منتداناو نتمى لك ان تقضى وقتا ممتعا بالمنتدى
منتديات الراعى و الخراف
عزيزنا الزائر مرحبا بك فى منتديات الراعى و الخراف اذا كنت غير مسجل فبرجاء التسجيل و ننال شرف انا تكون من اسره الراعى و الخراف و ان كنت مسجل بالفعل فتفضل بالدخول و شكرا لك لزياره منتداناو نتمى لك ان تقضى وقتا ممتعا بالمنتدى
منتديات الراعى و الخراف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الراعى و الخراف

منتدي مسيحى
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تم انشأ ايميل لمن يريد الاستفسار عن اى شى و هو

elra3y@ymail.com
مطلوب مشرفين على الاقسام لمن يريد المشاركه يكون لديه اشتراكات و مواضيع بالمنتدى

 

 أيوب الصديق ولماذا كانت تجربته.

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
بنت العدرا
عضو ذهبي
عضو ذهبي
بنت العدرا


عدد الرسائل : 3800
العمر : 58
السٌّمعَة : 14
نقاط : 6320
تاريخ التسجيل : 13/02/2008

أيوب الصديق ولماذا كانت تجربته.  Empty
مُساهمةموضوع: أيوب الصديق ولماذا كانت تجربته.    أيوب الصديق ولماذا كانت تجربته.  Emptyالجمعة مارس 23, 2012 8:14 pm

الكتاب : أيوب الصديق ولماذا كانت تجربته.



المؤلف : قداسة البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث.

الناشر : الكلية الإكليركية - العباسية - القاهرة.

المطبعة : الأنبا رويس الأوفست - العباسية.

الطبعة : الأولي 1998.

رقم الإيداع بدار الكتب : 4157 / 98

I.S. B. N. 977- 5345-49-9



ورد في أول السفر " كان رجل في أرض عوص أسمه أيوب ( أي 1:1). وأنه " كان أعظم بني المشرق إذن.كان أيوب يعيش في بلاد المشرق " ( أي 1 : 3 )

فما هي أرض عوص، موطنه؟

ذكر اسم ( عوص ) ونسبه مرتين في سفر التكوين :

1 - قيل إن عوص هو ابن آرام بن سام بن نوح ( تك 10: 22، 23).

2- وقيل أن ( عوص ) هو بكر ناحور ( أخي أبينا إبراهيم ) من امرأته ملكه ( تك 22: 20، 21) وإلي أسم عوص هذا انتمت أرض عوص، سواء كان حفيد سام بن نوح، أو كان ابن أخي إبراهيم.



قيل إنه عاش في الفترة ما بين نوح وإبراهيم. ولكن لو فحصنا العصر الذي عاش فيه أصحابه : أليفاز التيماني، وبلدد الشوحي، وصوفر النعماني ( أنظر ص 36، 37). لو وجدنا أنه عاش بعد عيسو ويعقوب.

وعلي أية الحالات لابد أنه عاش في عصر الأباء البطاركة الأولي، قبل موسى وأخيه هارون.

فما هي الأدلة علي ذلك؟ والتي هي نفس الأدلة التي تبرهن علي أن سفر أيوب كان أقدم من أسفار موسى الخمسة؟ … نذكر من هذه الأدلة :

1 - كان أيوب في عصر ما قبل الكهنوت الهارونى.

كان قبل العصر الذي نحصر فيه الكهنوت في بني هارون حسب أمر الرب لعبده موسى ( خر 40: 13- 15) ( لا 8: 12، 13). ولم يكن أيوب من بني هرون ( عد 3 : 2-4) ( 1 أي 6: 3- 15)

بل كان في العصر الذي كان فيه الأب هو كاهن الأسرة :

ذلك أنه كما ورد في الإصحاح الأول من سفره " وكان بنوه يذهبون ويعملون وليمة في بيت كل واحد منهم في يومه.. وكان لما دارت أيام الوليمة، أن أيوب أرسل فقدسهم، وبكر في الغد وأصعد محرقات علي عددهم كلهم لأن أيوب قال : ربما أخطأ بني وجدفوا علي الله في قلوبهم. هكذا كان أيوب يفعل كل الأيام ( أي 1: 4، 5). وهذا هو النظام الذي كان يحدث في أيام الآباء الأول ( الآباء البطاركة رؤساء الآباء ) نوح، وإبراهيم واسحق، ويعقوب. أولئك الذين كانوا يقدمون الذبائح عن أنفسهم وعن أبنائهم



ومما يثبت هذا أنه كان يقدم محرقات.



وكان هذا هو ما يفعله الآباء الأول، كانت ذبائحهم كلها محرقات. أما منذ عهد موسى وهارون، فقد وجدت أيضاً أنواع أخرى من الذبائح يقدمها الناس عن خطايهم، مثل ذبيحة الخطية وذبيحة الأثم (لا4،5)، (بالإضافة إلي المحرقات، والفصح (خر 12)، مع طقوس معينة …







2- لم يرد اسم أيوب في كل قوائم الآباء منذ موسى.

لم يرد اسمه في كل سلسله الأنساب التي سجلت نسل الأسباط الإثني عشر، سواء في سفر العدد ( عد 1-4) ولا في القوائم التي وردت في السفر الأول لأخبار الأيام ( 1أي 1-9) مما يدل علي أنه قبل ذلك العصر. كما لم يرد في أية سلسلة أنساب أخرى لذلك الزمان.



3 لم يرد في سفر أيوب أية أشارة عن تلك العصور.

فعلى الرغم من أليفاز التيماني قال لأيوب " إلي أي القديسين تلتفت؟" ( أي 5:1). وقال له بلدد الشوحى " اسأل القرون الأولي، وتأكد مباحث آبائهم "( أي 8:89). وقال له صوفر النعمانى " أما علمت هذا منذ القديم، منذ وضع الإنسان علي الأرض.." ( أي 20: 4).. إلا إنه لم يذكر واحد من هؤلاء اسم أحد من قدسي العهد القديم ليستشهد به.





5 كذلك في كلام عن عظمة الله، لم يذكر شئ في سفر أيوب عن المعجزات العجبية التي صنعها الله مع شعبه !!

لم يذكر أي شئ مثلاً عن شق البحر الأحمر، أو عن العجائب و الضربات العشر التي أجراها الله في مصر، ولا عن المن و السلوى، ولا عن السحابة التي تظللهم نهاراً، وعمود النار الذي كان يهديهم ليلاً، ولا عن معجزات الله في حروبهم مع الأمم الوثنية.



كل ما ذكر في سفر أيوب في أثبات قوة الله، هو قوة الله في الخلق، وفي السيطرة علي الطبيعة، وما يخص الحيوانات و الطيور العجيبة، و الجبال و السماء و كواكب الصبح.. وما أشبه ذلك.. حتي في حديث الله مع أيوب، أو حديث أليهو معه، لإقناعه بعظمته العلى القدير.

















ولكن من هول الكارثة يقول الكتاب عن أيوب إنه :

" مزق جبته، وجز شعر رأسه، وخر علي الأرض وسجد " ( أي 1: 20).

"مزق جبته لهذه الكارثة التي تمزق قلب أي إنسان : علي الأقل موت أبنائه السبعة وبناته الثلاث في يوم واحد. ولكنه سجد علي الأرض إجلالاً للرب الذي أعطي وأخذ.. ولم يقل الكتاب إنه صرخ أو بكي، أو نعي أولاده..





ولكن قسوة الشيطان لم يقف عند حد ولم يكتف بهذا!

ولم يخجل من فشله في محاربته لأيوب البار. وعاد يقف أمام الله في غير حياء ويقول " جلد بجلد. وكل ما للإنسان يعطيه لأجل نفسه. ولكن أبسط الآن ومس عظيمة ولحمه. فإنه في وجهك يجدف عليك " ( أى 2: 4، 5) قال هذا رداً علي قول الرب عن أيوب ".. إلي الآن هو متمسك بكماله، وقد هيجتني عليه لأبتلعه بلا سبب ". إن الشيطان لا ييأس في محاربته. فمهما فشل، يعاود الكرة مرة أخري.. و العجيب أن الله أعطاه فرصة أخرى رغم مكابرته هو قال له عن أيوب " ها هو في يدك، ولكن احفظ نفسه " ( أي 2:6). أي : لا مانع من أن تمس جسده. ولكن لا تمس عقله ولا حياته. نفسه ليست في يديك.

وللمرة الثانية يضع الرب حدوداً للشيطان في عمله.



وخرج الشيطان من لدن الرب، وبكل قسوة " ضرب أيوب بقرح رديء من باطن قدمه إلي هامته. فأخذ أيوب لنفسه شقفة ليحتك بها، وهو جالس في وسط الرماد " ( أي 2: 7، Cool.. كانت التجربة قد بلغت قمتها،ولكنها لم تبلغ نهايتها. وإذا بزوجته تسخر منه لأنه لا يزال محتفظاً بكماله، وطلبت إليه أن يجدف علي الله ويموت. فأجبها بحكمة وصبر :

" تتكلمين كلاماً كإحدى الجاهلات. هل الخير نقبل من عند الله. و الشر لا نقبل؟!

( أي 2: 10). وكلمة الشر هنا تعني المتاعب و الضيقات. وكلمة الخير تعني الخيرات..

يقول الكتاب " في كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه " ( أي 2: 10). فهل أخطأ بغير شفتيه؟ بلسانه أظهر كامل التسليم للمشيئة الإلهية. ولكن في قلبه؟





قدمت له زوجته اقتراحاً يمس علاقته بالله، فرفضه، ووبخها قائلاً كإحدى الجاهلات. هل الخير من الله نقبل، والشر لا نقبل؟!" ( أي 2: 10). في هذا الموقف كان أيوب أحكم من جده آدم، في التعامل مع آمراته.

في هذا الموقف كان أيوب أحكم من جده آدم، في التعامل مع إمرأته.

آدم خضع لزوجته في كسر وصية الله. وقال في تبرير كسره للوصيه " المرأة التي جعلتها معي، هي أعطتني فأكلت " ( تك 3: 12). أما أيوب فرفض أن يستمع لامرأته، بل وقف منها موقف المعلم و المؤدب، وقال لها " تتكلمين كلاماً كإحدى الجاهلات "، كإحدى " العذارى الجاهلات " اللائي وقفن خارج عرش الله ( مت 25: 2، 11).

أيقول أحد : هل هذه خطية أدانه لأنه وصفها بإحدى الجاهلات؟ كلا. فهذه حقاً أدانه، ولكنها ليست خطية إدانة. لأنه من حقه - بل من واجبة - أن يدينها، باعتباره " رأس المرأة ( 1كو 11: 3). ولأنها تجاوزت الحد بقولها إلي الآن أنت متمسك بكمالك؟! ( ألعن ) الرب ومت" ( أي 2: 9) كإحدى الترجمات : Curse God and die.

في كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه " ( أي 2: 10).

بشفتيه قال كلاماً حكيماً، يدل علي حياة التسليم، وقبول كل ما يفعله الله معه. ولكن هل في داخله كان كذلك؟ هذا ما سنبحثه معاً..

قال " هل الخير من الله نقبل و الشر لا نقبل؟!. وكلمه الخير كما تعني الفضيلة، تعني هنا الخيرات الأرضية، أو نعم الله وإحساناته إليه. كذلك كلمة( الشر ) كما تعني الخطية، تعني هنا المصائب و الضيقات التي حلت به. لهذا قيل عن أصحابه الثلاثة إنهم " لما سمعوا بكل الشر الذي أتي عليه جاءوا.. ليرثوا له و يعزوه " ( أي 2: 11).





ولم رآه أصحابه هكذا، ظهر ما في قلبه من مرارة وسخط..

قيل إن أصحابه " قعدوا معه سبعة أيام وسبع ليال، ولم يكلمه أحد بكلمة لأنهم رأوا أن كآبته كانت عظيمة جداً " ( أى 2: 13). وقد تبدو الكآبة طبيعياً في حالته بعد التجربة الشديدة التي مرت به. وقد قال القديس بولس الرسول عن متاعبه هو وزملائه في الخدمة " مكتئبين في كل متضايقين " ( 2كو 4: Cool و لكن أيوب كان متضايقاً جداً من الداخل..

كانت التجربة الثانية الخاصة بصحته، قد هزته من الداخل.





وهناك فرق ملحوظ بين ردود فعله في التجربتين :

قال في التجربة الأولي " الرب أخذ. فليكن أسم الرب مباركاً " ( أي 1: 21). ولكنه لم يقل هكذا بالنسبة إلي صحته في التجربة الثانية يكفي أنه لم يجدف علي الله، ولم يخطئ في التجربة الثانية. يكفي أنه لم يجدف علي الله، ولم يخطئ بشفتيه





ولكنه لم يحتمل أن يراه أصحابه وهو " جالس في وسط الرماد، يمسك شقفة ويحتك بها " ( أي 2: Cool. حتي أنهم لما رأوه " لم يعرفوه، فرفعوا أصواتهم وبكوا. ومزق كل واحد جبته، وذروا تراباً فوق رؤوسهم نحو السماء " ( أي 2: 12). وكان موقفاً مؤثرا لنفسيته..

نعم، هناك من يحتمل المذلة، ولا يحتمل أن يراه الناس ذليلاً ! وهكذا أيوب لم يحتمل أن يكون موضع الإشفاق، بعد أن كان موضع التمجيد.





بدأ تعب أيوب، حينما جاءه أصحابه الثلاثة، ورأوه في مذلته. لقد كان محطماً، ولا أحد من معارفه يدري. فلما جاء أصحابه يعزونه، عز عليه أنه أنكشف أمامهم.. حتي أنهم مزقوا ثيابهم رثاء لحالته. لا شك أن حالته الاجتماعية قد تغيرت إلي العكس تماماً، من حيث موقف الناس منه، هذا الذي قال عنه فيما بعد " ليتني كما في الشهور السالفة، وكالأيام التي حفظني الله فيها.ز حين كنت اخرج إلي الباب في القرية، وأهيي في الساحة مجلسي. رآني الغلمان فاختبأوا، و الشيوخ قاموا ووقفوا. العظماء أمسكوا عن الكلام.. صوت الشرفاء اختفي.. " ( أي 29: 2-10) أما الآن فهو جالس علي الرماد، يحتك بشقفة.. !

لهذا بعد السبعة أيام لجلوس أصحابه معه يقول الكتاب

" بعد هذا فتح أيوب فاه، وسب يومه.." ( أي 3: 1).

وقال " ليته هلك اليوم الذي ولت فيه، والليل من فوق، ولا يشرق عليه نهار.. لا يفرح بين أيام السنة ولا يدخلن في عداد الشهور.. " ( أي 3: 3 -6).

أخذ أيوب يخرج ما في نفسه من مرارة …

في بادئ الأمر كانت شفتاه مغلقين علي ما في داخل قلبه من تعب نفسي. وقد سمح الله لأيوب بمجي أصحابه إليه ليكشف ما في داخله. وإذا بهذا القديس يلعن اليوم الذي ولد فيه ! لماذا تلعن يوم ولادتك يا أيوب البار؟! يقول " لأنه لم يغلق أبواب بطن أمي، ولم يستر الشقاوة عن عيني؟ لم لم أمت من الحم؟! عندما خرجت من البطن، لم أسلم الروح.." ( أي 3: 10، 11).

أهذه هي حياة التسليم التي قال عنها لزوجته : هل الخير من الله نقبل و الشر لا نقبل؟! " ( أي 2: 10). لقد كان صليباً ثقيلاً علي أيوب.و لكن رحمته الله كانت تريد أن تخرج من هذا المر شيئاً حلواً.

أن الله لا ينظر إلي الحاضر الذي نحن فيه بقدر ما ينظر إلي المستقبل الذي نصل إليه.

أنه ينظر إلي عذابات القديسين في ضوء أكاليل سيأخذونها فيما بعد.

نعم لقد قبل أيوب التجربة، ولكن التجربة سببت له تعباً داخلياً.





فقد قبل إنسان أن يجرى له عملية جراحية. ولكن هذا لا يمنع من أن تسبب له العملية آلاماً فيصرخ ويقول آه.





كانت آلامه فوق الاحتمال، جسدياً ونفسياً. فمن ذا الذي يستطيع أن يحدث له كل ذلك : أن يموت كل أبنائه وبناته في يوم واحد، وأن يخرب بيته، ويفقد صحته وكرامته، دون سبب يستدعي هذا كله؟! هل يحد ثكل هذا لشخص، ولا يتألم ولا يشكو؟ إنه قد يصير، ولكن الألم طبيعي، فهل لا يشكو في كثرة آلامه؟! هل لا يئن؟!

أن الله " يعرف طبيعتنا، يذكر أننا تراب نحن ( مز 103: 14).

لذلك لم يغضب الله مت أيوب في كل ما قال. بل أنه - تبارك اسمه - بعد انتهاء التجربة. وبخ أصحاب أيوب الثلاثة قائلاً لهم ".. لم تقولوا في الصواب كعبد أيوب " ( أي 42: 7).

هل كانت انفعالات أيوب مركزة في لعنة يومه؟

كلاً طبعاً. بل ظهرت له انفعالات أخرى كثيرة …

منها حديثه مع أصحابه وتضايقه منهم، ووصفهم بأنهم " أطباء بطالون " و" معزون متعبون " كما سنشرح فيما بعد.. كما ظهر ذلك في عتابه الطويل مع الله … وأيضاً في افتخار ببره الذاتي، رداً علي ما قد اتهمه به أصحابه من اتهامات باطلة، أمكنهم بها أن يثيروه ويخرجوه عن هدوئه..

لم يذكر الكتاب أخطاء لأيوب قبل التجربة. أما بعدها، فالأمر يحتاج إلي كثير من التأمل.

قبل التجربة قال عنه الرب إنه رجل كامل ومستقيم. أما بعد التجربة، فماذا عنه أليهو الصديق الرابع؟ ( أي 32- 41). هذا ما سوف نراه في آخر هذا الكتاب بمشيئة الرب.







أصحاب أيوب الذين أخطأوا كانوا ثلاثة: أليفاز التيمانى، وبلدد الشوحي، وصوفر النعماني. فمن كان هؤلاء؟ وإلي أي عصر ينتمون؟ وإلي أي بلد؟ وما موقع بلادهم؟



واضح من اسمه أنه ينتمى إلي تيمان. ويذكر لنا سفر التكوين أن تيمان هو ابن اليفاز هو ابن عيسو من زوجته عد ( تك 36: 10، 11). ( 1أي1 : 35، 36 ). ويبدو أن قبيلة تسميت باسم تيمان، إذ يذكر نفس الإصحاح من سفر التكوين أن " اليفاز بكر عيسو أمير تيمان " ( تك 36: 15). وواضح أنه علي أسمه ( علي اسم أليفاز الجد ) تسمي القفاز التيماني الصاحب الأول لأيوب الصديق. ومكان تيمان - كما يذكر قاموس الكتاب - هو شمال آدوم ( تك 36: 16).



ربما ينتسب أيضاً إلي شوح ابن ابينا إبراهيم من زوجته قطورة ( تك 25: 2). ويبدو أن أبناء شوح كونوا قبيلة ينتمي إليها بلدد الشوحي. وكانت هذه القبيلة قرب أرض عوص ( التي منها أيوب الصديق )

و الخلاصة :

يكون أصحاب أيوب الثلاثة من نسل أبينا إبراهيم. ولكنهم بلا شك عاشوا قبل عصر موسى وهارون. وذلك لأنهم ما كانوا ضمن الشعب الإسرائيلي الذي عاصر فرعون مصر. ولا سكنوا في أي بلد في أرض الموعد …

_________________________

معني أسمه ( أليهو ) هو الله. ولقبه ( البوزى ). فمن هو بوز؟ يذكر سفر التكوين أن أبانا إبراهيم كان له أخ اسمه ناحور ( تك 11: 27). وأن ناحور كان له ابنان من زوجته ملكة هما عوص بكرة، وبوز أخوه( تك 22: 20، 21). ربما إلي بوز ينتمي أليهو. من أرض عوص كان أيوب ( أي 1: 1). وذكر

اسم ) عوص ) في موضع آخر، هو عوص ابن آرام بن سام بن نوح ( تك 10: 22، 23). وأرض ( عوص ) تقع بين دمشق وأداوم في صحراء سوريا …

ماذا كان الخطأ الذي وقع فيه أصحاب أيوب الثلاثة؟



أولاً : ظنوا أنهم يتكلمون معه بصراحة، وكان أسلوبهم في تلك ( الصراحة ) أسلوباً جارحاً مؤلماً. بدأوه بقول أليفاز التيماني لأيوب " إن امتحن أحد كلمة معك، فهل تستاء. ولكن من يستطيع الامتناع عن الكلام؟! ( أي 4: 2). أي هل سوف تستاء من صراحتي معك؟! ومع ذلك فأنا لا أستطيع أن أصمت ولا أتكلم معك ( بصراحة ) !!

ثانياً : اعتقدوا في صراحتهم أن أيوب قد أخطأ إلي الله، ولذلك عاقبه الله بهذه التجربة !! وكان اتهاماً ظالماً.

وهكذا قالوا له " أذكر من هلك وهو برئ؟! وأين أبيد المستقيمون كما رأيت أن الحارثين إثما، و الزارعين شقاوة، يحصدونها " ( أي 4: 7، Cool. و المعروف طبعاً أن أيوب لم يخطئ إلي الله، ولم يزرع إثماً ولا شقاوة ! بل قال الله عنه أنه ليس مثله في الأرض. رجل كامل ومستقيم يتقي الله، ويحيد عن الشر " ( أي 1: Cool. وكرر الله هذه الشهادة عنه ( أي 2: 3).

أذن تجربة أيوب لم تكن عقوبة لأيوب علي خطية. بل أن الله قال عنه للشيطان بعد التجربة الأولي " وإلي الآن هو متمسك بكماله وقد هيجتني عليه لأبتلعه بلا سبب" ( أي 2: 3)



حقاً، ما أكثر الاتهامات الظالمة للأبرار و الصدقين في كل متاعبهم ومشاكلهم وأمراضهم، كما لو كانت عقوبة من الله ! ! بينما الكتاب يقول : " كثيرة هي بلايا الصديق،من جميعها ينجيه الرب. الرب يحفظ جميع عظامه، وواحد منها لا تنكسر " ( مز 34: 19، 20). ونلاحظ أن هذا المزمور كان أيضاً نبوءة عن السيد المسيح في كل ما أصابه من آلام وضيقات..



من أمثلة الاتهامات الكاذبة التي اتهموا بها أيوب :

قول أليفاز التيماني له : " لأنك ارتهنت أخاك بلا سبب، وسلبت ثياب العراة. ما لم تسق للعطشان، وعن الجائع،منعت خبزاً ( أي 22: 6،7). وطبعاً كل هذا افتراء عليه، لأنه كان كريماً شفوقاً علي المساكين ( أي 29: 16- 19). وقال عنه صوفر النعمان" لأنه رخص المساكين وتركهم، واغتصب بيتاً ولم يبه " " لأنه لم يعرف في بطنه قناعه " " ( أي 20: 19، 20).



ثالثاً : أشعروه أيضاً بأنه يجب أن يقبل تأديب الله، وليس له مجال في استجابة لصلاته أو تشفع بالقديسين.

وهكذا قال له أليفاز التيماني في قسوة " أدع الآن، فهل من مجيب؟! وإلي أي القديسين تلتفت؟! " هوذا طوبى لرجل يؤدبه الله فلا ترفض تأديب القدير " ( أي 5: 1، 17). كذلك فإن بلدد الشوحي - بدلاً من أن يعزيه في موت أبنائه - قال له " هل الله يعوج القضاء أو القدير يعكس الحق؟! إذ أخطأ إليه بنوك، دفعهم إلي يد معصيتهم " ( أي 8: 3، 4) فكأنما موت كل الأولاد السبعة و البنات الثلاثة، كان بسبب خطايا كل منهم، وبعدل و استحقاق.. !





رابعاً : أيضاً بلدد الشوحي حتي أراد أن يثبت استحقاق أيوب للعقوبة من واقع التاريخ ومن قول الآباء :

فقال له " نحن نعلم.. فهلا يعلمونك ويقولون لك " يقولون : " هكذا سبل كل الناسين الله، ورجاء الفاخر يخيب.. يستند إلي بيته، فلا يثبت " هوذا الله لا يرفض الكامل، ولا يأخذ بيد فاعلي الشر " ( أي 8 : 8- 20). وكأنه ألصق بأيوب كل هذه الصفات الشريرة، مثل : الفاخر، و الناسين الله، وفاعلي الشر !! أي تأثير لكل هذا علي رجل كامل مستقيم !



خامساً: نري صوفر النعماني يطلب إليه التوبة ليرحمه الله !

فيقول له " ليت الله ويتكلم ويفتح شفتيه معك.. فتعلم أن الله يغرمك بأقل من أثمك " ( أي 11: 5، 6). ثم يتابع كلامه معه فيقول " أن أبعدت الإثم الذي ف يدك، و لا يسكن الظلم الذي في خيمتك، حينئذ ترفع وجهك بلا عيب، وتكون ثابتاً ولا تخاف.. " ( أي 11 : 14، 15).

سادساً : ما كان مناسباً أن يكلموه بهذا الأسلوب الجارح، وهو مجرب يقاسي كل الأثم المحيط به..

ولهذا قال لهم أيوب " قد سمعت كثيراً مثل هذا معزون متعبون كلكم.. أنا أستطيع أن أتكلم مثلكم، لو كانت أنفسكم مكان نفسي " ( أي 16: 11، 4). بل قال لهم " ليتكم تصمتون صمتاً، فيكون صمتكم لكم حكمة " ( أي 13: 5). بل ترجاهم قائلاً " حتي متي تعذبون نفسي، وتسحقونني بالكلام، هذه عشر مرات أخزيتموني. لم تخجلوا من أن تحكرونني.. وهبني ضللت، علي تسقر ضلالتي " ( أي 19: 2-4). بل قال لهم أكثر من هذا :



تراءفوا أنتم علي يا أصحابي، لأن يد القدير قد مستني " ( أي 19: 21).









سابعاً : كانت بعض أقوالهم فيها روح الشماتة :

وهذا لا يتفق مطلقاً مع كونهم أصحابه، ولا يتفق مع شعورهم الأول حين " رفعوا أصواتهم وبكوا. ومزق كل واحد جبته، وذروا تراباً فوق رؤسهم " ( أي 3: 12). ولكنهم عندما دخلوا معه حوار، نري أسلوبهم قد تغير. فيقول له صوفر النعماني ".. إن الله يغرمك بأقل من إثمك " ( أي 11: 6). ويقول عنه أليفاز التيماني " لا يأمل الرجوع من الظلمة، وهو مرتقب للسيف " " يسكن مدناً خربة، بيوتاً غير مسكونة عتيدة أن تصير رجماً " قبل يومه يتوفي، وسعفه لا يحضر " ( أي 15: 22، 32).





ثمانية عشر إصحاحا كانت مجادلات أصحاب لأيوب معه واتهامهم له، وردوده عليهم. أثاره كثيراً فماذا كانت ردود فعل الآثار؟!







أصحاب أيوب مصممون علي أن تجربته هي عقبة من الله له علي خطاياه. فأكثروا باطلاً. واستطاعوا أن يثيروا أيوب، فأخذ يدافع عن نفسه.ز وعبارة أن الله يعاقب علي إثمه، جعلته يعاتب الله، ويسأله ما هي خطيتي؟! بل جعلتني أيضاً يبرر نفسه و يتحدث عن فضائل !! وبرز هنا عمل الله في أن يقوده إلي انسحاق القلب.

ولما وصل أيوب إلي هذا الانسحاق، انتهت تجربته، ورد الله سبيه.

هذا هو ملخص تجربة أيوب كلها فلندخل في التفاصيل.



مسألة حسد الشياطين لأيوب علي كماله واستقامته، هذه لم تكن في تفكير أصحابي أيوب. كذلك شهادة الله لم تكن في معرفة أصحاب أيوب. كذلك شهادة الله لم تكن في معرفة أصحاب أيوب. وعلي الرغم من أنهم في بدء تجربة أيوب، حزنوا عليه " ورفعوا أصواتهم وبكوا. ومزق كل واحد جبته وذروا تراباً فوق رؤسهم.." ( أي 2: 12 ) … ألا أنهم عادوا وتفكروا في الأمر وتأملوا في تجربة..





ورأوا أنه لابد قد أخطأ أيوب إلي الرب، فواجبهم كأصدقاء أن يصارحوه بذلك، ويقوده إلي التوبة، حتي يغفر الرب له !! لكن كلامهم كان مثيراً إلي أبعد الحدود، لم يحتمله أيوب.

قالوا " من هو الإنسان حتي يزكوا، أو مولود المرأة حتي يتبرر؟ ! ( أي 15: 14).. إن الله يعرف كل شئ " هوذا الله في علو السموات.. هل من وراء الضباب يقضي؟! " ( أي 22: 12، 13) " هوذا قديسوه لا يأتمنهم و السموات غير طاهرة بعينه، فبالحري مكروه وفاسد الإنسان الشارب الإثم كاماء. الشرير كل أيامه " ( أي 15: 15-20).

هذا يقوله اليفاز التيمانى. ثم يقول لأيوب " أن رجعت إلي القدير تبني. أن ظلماً عن خيمتك "( أي 22: 23). وينصحه قائلاً " اقبل الشريعة من فيه، وضع كلامه في قلبك " ( أي 22: 22)



ويعزف بلدد الشوحي علي نفس الوتر فيقول لأيوب " نعم نور الأشرار ينطفئ، ولا يضئ لهيب ناره. النور يظلم في خيمته، وسراجه ينطفئ " ( أي 18: 5، 6). ويتابع كلامه فيقول عنه كإنسان شرير " ذكره يبيد من الأرض، ولا أسم له علي وجه البر.. لا نسل له، ولا عقب له بين شعبه. إنما تلك مساكن فاعلي الإثم. وهذا مقام من لا يعرف الله " ( أي 18: 17- 21). فهل كلام كهذا ينطبق علي أيوب؟! هل هو من فاعلي الإثم، أو هو إنسان لا يعرف الله؟! وهل يستحق أن يبيد ذكره وأسمه ونسله؟!.. بل أكثر من هذا - حيثما يتحدث أيوب عن مرارة نفسه في تجربته - يقول له بلدد الشوحي " أيها المفترس في غيظه، هل لأجلك تخلي الأرض أو يتزحزح الصخر من مكانه؟! "( أي 18: 4).

وبنفس القسوة وأسلوب التحطيم، يكلمه صوفر النعماني موبخاً بكلام يشبه الشماتة به في مذلته..

فيقول له " أما علمت هذا من القديم، منذ وضع الإنسان علي الأرض : أن هتاف الأشرار من قريب، وفرح الفاجر إلي لحظة؟ ولو بلغ السماوات طوله، ومس رأسه السحاب !.. عين أبصرته ـ، لا

تعود تراه، ومكانه لم يراه بعد.. فخبزه في إمعانه يتحول. مرارة إصلاح في بطنه. قد بلغ ثروة فيتقأها. الله يطردها من بطنه. سم الإصلاح يرضع. يقتله لسان الأفعى "( أي 20: 4-16). ويتابع كلامه الجارح فيقول :" تأكل نار لم تنفخ. ترعي البقية في خيمته. السموات تلعن إثمه. والأرض تنهض عليه. تزول غله بيته.. هذا نصيب الإنسان الشرير من عند الله " ( أي 20: 27- 29)







ويسألهم أيوب الصديق أي شر فعل؟!

فيقول لهم " أن كنتم بالحق تستكبرون علي، فثبتوا علي عاري " ( أي 19: 5). ويقول لهم أيضاً " احتملوني وأنا أتكلم، ثم بعد ذلك استهزأوا " ( أي 21: 3) " كيف تعزونني باطلاً، وأجوبتكم بقيت خيانة؟! ( أي 21: 34). ويرفع وجهه إلي السموات ويقول " هوذا في السموات شهيدي، وشاهدي في الأعالي. المستهزئون بي هم أصحابي ( أي 16: 19، 20) " فغزوا علي أفواههم، لطموني علي كفي تعييراً. تعانوا علي جميعاً " ( أي 16: 10). ويقول لهم علموني فأنا أسكت. وفهموني في أي شئ ضللت؟… وأما التوبيخ منكم، فعلي أي شئ يبرهن؟! ( أي 6: 24، 25)



ويعاتبهم أيوب مرة في رقه، ومرة في عنف، ويناقشهم. ويقول لهم ".. رأيتم ضربه ففزعتم. هل قلتم أعطوني شيئاً من مالكم، ارشوا من أجلي؟ أو نجوني من يد الخصم، أو من يد العتاة افدوني؟" ( أي 6: 21- 23) " تحفرون حفرة لصاحبكم؟!.. أرجعوا، لا يكونن ظلم " ( أي 6: 27، 29). أنا أستطيع أن أتكلم مثلكم، لو كانت أنفسكم ملكا نفسي. بل كنت أشددكم بفمي، وتعزية شفتي تمسككم " ( أي 16: 4، 5).

ولما ازدادوا في كلامهم واتهاماتهم له، كلمهم في شده وقال : " صحيح أنكم أنتم شعب، ومعكم تموت الحكمة. غير أنه لي فهم مثلكم. لست أنا دونكم " ( أي 12: 2، 3) " ما تعرفونه، عرفته أنا أيضاً. لست دونكم. لكني أريد أن أكلم القدير، وأن أحاكم إلي الله. أما أنتم فملفقوا كذب. أطباء بطالون كلكم " ( أي 13: 2-4).

ولم سمعهم يهاجمونه باسم الدفاع عن الله وعظمته وعدله، قال لهم إن هذه ( محاباة لله ) لا يقبلها.

وهكذا قال " اسمعوا الآن حجتي، واضعوا إلي دعاوى شفتي : أتقولون لأجل الله ظلماً، وتتكلمون بغش لأجله؟! أتحابون وجهه،أم عن الله تخاصمون.. أم تخاتون كما يختال الإنسان؟! توبيخاً يوبخكم إن حبيتمك الوجوه خفية. فهلا يرهبكم جلاله، ويسقط عليكم رعبه "( أي 13: 6- 11). ثم يقول لهم " خطبكم أمثال رماد، وحصون من طين. اسكتوا عني فأتكلم، وليصبني مهما أصاب "( أي 13: 12، 13).

ويرد عليه أليفاز التيماني في كبرياء وشماتة :

فيقول لأيوب : أن فمك يستذنبك لا أنا، وشفتيك تشهدان عليك ماذا تعرفه، ولا نعرفه نحن؟ وماذا تفهم وليس هو عندنا؟" عندنا الشيخ والأشيب، أكبر أياماً من أبيك " ( أي 15: 6-10).

أصحاب أيوب لم يفهموا الدالة التي يعاتب بها الله !

فقال له أليفاز التيماني " لماذا يأخذك قلبك؟ ولماذا تختلج عيناك، حتي ترد علي الله، وتخرج من فيك أقوالاً؟! " ( أي 15: 12، 13). ويتابع كلامه ضده فيقول " الشرير يتلوى كل أيامه.. لأنه مد علي الله يده، وعلي الدير تجبر.. فيسكن مدناً خربة " ( أي 15: 20- 28). " لا يستغني ثروته، ولا يمتد في ا





الأرض مقتناه..لأن السوء يكون أجرته. قبل يومه يتوفي، وسعفه لا يخضر.. ينثر كالزيتون. حبل الرشوة. حبل شقاوة، وولد إثماً " ( أي 15: 29- 35)

قال " ضربتي أثقل من تنهدي " أي 22: 2) " مصيبتي أثقل من رمل البحر " ( أي 6: 2،3). ولعل أبلغ ما قاله عن مرضه :

"أنا كمتسوس يبلي، كثوب أكله العث "( أي 13: 28).

" عظمي قد لصق بجلدي ولحمي " ( أي ( 19: 20) " الآن انهالت نفسي علي وأخذتني أيام المذله.؟ الليل ينخر عظامي في " ( أي 30: 16، 17) " إذا اضطجعت، أقول متي أقوم الليل يطول، وأشبع قلقاً حتي الصبح.. لبس لحمي الدود " ( أي 7: 4، 5) " روحي تلفت، أيامي انطفأت. إنما القبور لي.. كلت عيني من الحزن وأعضائي كلها كالظل " ( أي 17: 1، 7) " أحمر وجهي من البكاء، وعلي هدبي ظل الموت "( أي 16: 16) " أهوال لله مصطفة ضدي " ( أي 6: 4).

ما هي قوتي أنتظر؟! وما هي نهايتي حتي أصبر نفسي؟!

هل قوتي قوة الحجارة؟!هل لحمي نحاس؟! ( أي 6: 11، 12) ويبدو أنه فقد الأمل في الشفاء وانتظر الموت..

وهكذا قال " إذا مضت سنون قليلة، أسلك في طريق لا أعود منها " ( أي 16: 22) " رجوت الهاوية بيتاً لي وفي الظلام مهدت فراشي وقلت للقبر أنت أبي وللدود أنت أمي وأختي "( أي 17: 13، 14) " فأين إذن آمالي من يعاينها؟! تهبط إلي مغاليق الهاوية، لإذ ترتاح معاً في التراب (أي 7: 7) " السحاب يضمحل ويزول. هكذا الذي ينزل إلي الهاوية، لا يصعد. لا يرجع بعد إلي بيته، ولا يعرفه مكانه بعد " ( أي 7: 9، 10) " الحجارة تبليها المياه، وتجرف سيولها تراب الأرض. وكذلك أنت ( يا الله ) تبيد الإنسان ( أي 14: 19).

وهكذا وجد أيوب من حقه أن يشكو، فقال :

" أنا أيضاً لا أمنع فمي. أتكلم بضيق روحي. أشكو بمرارة نفسي "( أي 7: 11) " قد كرهت نفسي حياتي. أسيب شكواي. أتكلم في مرارة نفسي.." ( أي 10: 1).

" الإنسان مولود المرأة قليل الأيام وشبعان تعباً يخرج كالزهر ثم ينحسم ويبرح كالظل ولا يقف "( أي 14: 1، 2)

"أيام أسرع من عداء. تفر ولا تري خيراً "( أي 9: 25)

أيوب يعتبر نفسه يتعامل مع الله في مرضه.

لم يقل إنها ضربة من الشيطان، إنما قال عن الرب " قد طرحني في الحل، فاشتهيت التراب و الرماد " ( أي 30: 19) ولذلك صلي إلي الرب وقال في عتاب " الليل أصرخ فما تستجيب لي. أقوم فما تنتبه إلي. تحولت إلي جاف من نحوي. بقدرة يدك تضطهدني "( أي 30: 20، 21)

كذلك شكا من مشاكله الاجتماعية وبع الناس عنه.

فقال " قد أبعد عني أخوتي، ومعارفي مني ". " أقارب قد خذلوني، و الذين عرفوني نسوني ". " نزلاء بيتي وإمائي يحسبونني أجنبياً " عبدي دعوت فلم يجب. بفمي تضرعت إليه " " تكهني مكروه عند امرأتي. وخممت عند أبناء أحشائي " " الأولاد أيضاً قد رذلوني، إذا قمت يتكلمون علي " " كرهني كل رجالي. والذين أحببتهم انقلبوا علي " ( أي 19: 13- 19)

لكل هذا دخل أيوب في عتاب مع الله. ماذا قال في عتابه هذا؟



كان الشيطان يبذل كل جهده لتحطيم أيوب من كل ناحية :

في التجربة الأولي، أمكن أن يحطمه مادياً وعائلياً. وفي التجربة الثانية، أمكن أن يحطمه صحيحاً. وكان كل ذلك بسماح من الله ( أي 1،2). ولكن تتبعة جداً عبارة قالها الرب عن أيوب وهي " إلي الآن هو متمسك بكماله " ( (أي 2:3). فكيف يمكن إذن زحزحته عن هذا الكمال؟

كانت الجوله الثالثة للشيطان، هي أن يحطم أيوب إيمانياً.

واستخدم ذلك امرأة أيوب، لتثنيه عن إيمانه، وهي متعجبة كيف هو " متمسك بعد بكماله " ( أي 2:9). وقطعاً كان الشيطان يتكلم من فمها.. غير أن أيوب البار صدها صدها في حزم، قائلاً لها "" تتكلمين كلاماً كإحدى الجاهلات.." ( أي 2: 10). وبدا أن الشيطان قد انهزم في الجولات الثلاث كلها. ولكنه - كعادته - لم ييأس واستمر في محاربة أيوب..



وكانت الجولة التالية للشيطان أن يحطم أيوب نفسياً وروحياً وأن يستخدم في ذلك أصحاب أيوب من ناحية، وقسوة المرض وطول مدته من ناحية أخرى..

وقد شملت هذه الجولة باقي سفر كله

فما هي الفكرة الخطيرة التي وضعها الشيطان في أذهان أصحاب أيوب وزودها ببراهين، ونطق بها ألسنتهم؟.ز الفكرة التي أثار بها الجو كله. وكانت موضع حوار بين أيوب وأصحابه

استمر 28 إصحاحا، وخرج بها أيوب عن هدوئه؟

تلك الفكرة الشيطانية، هي أن التجربة سببها الخطية.

و بالتالي لابد أن يكون أيوب خاطئاً.. ولولا ذلك ما كان الله قد سمح بأن يجرده من أولاده، ومن ماله ومملكاته كلها، ومن صحته أيضاً ! وكان ذلك يبدو كلاماً منطقياً يتفق مع عدل الله..! وهكذا كانت كلمة الشيطان علي فم الشيطان علي أليفاز التيماني، أول المتكلمين من أصحاب أيوب " أذكر من هاك وهو برئ؟! وأين أبيد المستقيمون؟" ( أي 4: 7). وبالتالي يكون أيوب في كل شفائه، إنما يحصد نتيجة طبيعته لما زرعه من إثم. وهكذا أكمل أليفاز حديثة قائلاً " كما قد رأيت : أن الحارثين إثماً، و الزارعين شقاوة يحصدونها " ( أي 4: Cool



وكان اتهام أيوب بأنه خاطئ يستحق تأديب الله أمراً يسعد الشيطان.

يسعده كلون من الشماتة في أيوب، ولو بطريق الإدعاء ! ويسعده أن ذلك رد علي وصف أيوب بأنه " رجل الكامل ومستقيم، يتقي الله ويحيد عن الشر " ( أي 1: Cool، وأنه " إلي الآن هو متمسك بكماله " ( أي 2: 3). كما أن هذا الاتهام سوف يثير أيوب و يتعبه. وهذا أيضاً يسعد الشيطان، وبخاصة لو كثرت الاتهامات ومست بر أيوب و سمعته التي يحرص عليها..

وقد كان. بدأ أصحاب أيوب يكيلون له الاتهامات في قسوة.

وأحدث الاتهامات تأثيرها، وبدا أيوب يثور ويرد..

مشكلته أنه قيل الإثارة. تأثر بها، وأخذ يدافع عن نفسه. وكان خيراً له لو أنه صمت، وترك الله يدافع عنه.. نعم، ليته صمت فما أعمق قول سليمان الحكيم " لا تجاوب الجاهل حسب حماقته لئلا تعدله أنت ( أم 26: 4). في بادئ الأمر، رد علي أصحابه في هدوء. ولما زادت اتهاماتهم له بأنه خاطئ. ويحتاج إلي توبة، وسردوا عليه ألواناً من الإتهامات، حينئذ ثار عليهم وقال لهم " أما أنتم فملفقو كذب، أطباء بطالون كلكم. ليتكم تصمتون صمتاً، ويكون ذلك لكم حكمه " (أي 13: 4، 5). إلي أن قال لهم " معزون متعبون كلكم. هل من نهاية لكلام فارغ "( أي 16: 2، 3).

وكان الشيطان فرحاً جداً بهذا الصراع ين أيوب وأصحابه، يغذيه أحياناً. وكان سعيداً بإثارة أيوب. ولكن القصة لم تتم فصولاً. هناك ما هو أخطر. لم يكن سبب الإثارة فقط أنه خاطئ. بل بالأكثر إن الله ضده يعاقبة،" ويغرمه بأقل من إثمه " ( أي 11: 6).

ويبدو أن أيوب - للعجب الشديد - دخلت الفكرة إلي ذهنه أن الله يقف ضده، وأنه سبب كل متاعبه !! فدخل في عتاب شديد وطويل مع الله..!

إنها مشكلة جديدة وقع فيها أيوب : أن الله قد جعله خصماً له وأن الله يستذنبة، لكي يتبرر فيما أوقعه فيه من متاعب !! و الظاهر أن تكرار ما سمعه من أفواه أصحابه، جعل هذا الفكر يزحف إلي ذهن أيوب وإلي قلبه ومشاعره، ويعاتب الله عليه.. كيف حدث ذلك؟ هذا ما سنشرحه الآن بالتفصيل..

ربما بسبب إيمانه أن كل شئ من الله..

سواء كان بإرادة الله، أو بسماح منه.. لذلك قال قبلاً" هل.. الشر من الله لا نقبل؟‍ ( أي 2: 10). إذن هو مؤمن أن كل الشرور ( أي المتاعب ) التي أصابته هي من الله " وفي كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه " ( أي 2: 10). وهكذا فإن في التجربة الأولي، لما أخذت منه أملاكه كلها وأولاده قال".. الرب أخذ " ( أي 1: 21).

فماذا كان موقفه من الرب الذي أخذ، والشر الذي أصابه؟

يبدو أنه لم يقبل ذلك الشر كما قال، بل عاتب الرب عليه.

أكبر دليل، وأول دليل، أنه بعد الكآبة الشديدة التي حلت عليه، أخذ يسب يومه، ويقول " ليته هلك اليوم الذي ولدت فيه.." ( أي 3: 3). ولماذا؟ " لأنه لم يغلق أبواب بطن أمي، ولم يستر الشقاوة عن عيني "( أي 3: 10). لأني إرتعاباً أرتعب فأتاني، والذي فزعت منه جاء علي "" لم أطمئن، ولم أسكن، ولم استرح، وقد جاء الرجز " ( أي 3: 25، 26). إذن هو لم يقبل ذلك الشر، بل اكتأب كآبة عظيمة جداً ( أي 2: 13). وارتعب وفزع، ولم يطمئن بشفتيه " ( أي 2: 10). شفتاه لم يصدر منهما خطأ. أما قلبه فلم يسترح





وفي عتابه مع الله، نسب إليه كل المتاعب..

" يرضي الله أن يسحقني. يطلق يده فيقطعني " ( أي 6: 9). " ذاك الذي يسحقني بالعاصفة، ويكثر جروحي بلا سبب "( أي 9: 17). " لا يدعني آخذ نفسي، ولكن يشبعني مرائر "( أي 69: 18). " وقال للرب " كتبت علي أموراً مرة، وورثتني آثام صباي " ( أي 13: 26) " جعلت رجلي في المقطورة، ولا حظت مسالكي.ز وأنا كمتسوس يبلي، كثوب أكله العث " ( أي 13: 27، 28) ,

وكان يشعر بشدة ما فعله الله به، ويشكو..

ويقول " أزل عني كرامتي، ونزع تاج رأسي " ( أي 19: 9). " كنت مستريحاً فرعرعني ونصبني له غرضاً. شق كليتي ولم يشفق. سفك مرارتي علي الأرض " ( أي 16: 12، 13). " أوقفني مثلاً للشعوب. وصرت للبصق في الوجه " ( أي 17: 6). " هوذا يقتلني. لا أنتظر شيئاً. فقط أزكي طريقى قدامه " ( أي 13: 15). " في عذاب لا يشفق. أني لم أجحد القدوس "( أي 6: 10)

هو أيضاً يطلب من الله أن يكف عنه، يريحه قبل موته.

فيقول له " قد ذبت.. كف عني، لأن أيامي نفخة " ( أي 7: 16). " حتي متي لا تلتفت عني ولا ترهبني ريثما أبلغ ريقي؟‍ " ( أي 7: 19). " بعد يديك عني، ولا تدع هيبتك ترعبني " ( أي 13: 21). ( أن كان ( الإنسان ) أيامه محدودة، وعدد أشهره عندك، وقد عينت أجله فلا يتجاوزه، عنه، إلي أن يسر كالأجير بانتهاء يومه " ( عب 14: 5، 6). " ليرفع عني عصاه، فلا يبغتني رعبه " ( أي 9: 34). ويقول لله أيضاً " أليست أيامي قليلة؟ اتركني. كف عني فأتبلج قليلاً، قبل أن أذهب فلا أعود " ( أي 10: 20)

ويلعن أيوب أن الله يعادية، ويخاصمه :

فيقول له " لماذا تحجب وجهك عني، وتحسبني عدواً لك؟‍ ( أي 13: 24). ويقول " أضرم علي غضبه وحسبني كأعدائه " ( أي 13: 24). ويقول " أضرم علي غضبه، وحسبني كأعدائه " ( أي 19: 11). ويقول أيضاً " فاعلموا إذن أن الله قد عوجني، ولف علي أحبولته. ها أني أصرخ ظلماً فلا استجاب. أدعو وليس حكم. قد حوط طريقي، فلا أعبر سلبي ألقي ظلاماً " ( أي 19: 6- Cool ويقول له " لا تستذنبني. فهمني لماذا تخاصمني؟" ( أي 10: 2) ويقول " غضبه افترسني. واضطهدني " ( أي 16: 9).

ويقول لله : تستذنبني، وأنت تعلم أني برئ

" في علمك أني لست مذنباً، ولا منقذ من يدك " ( أي 10: 7). " كم لي من الأثام و الخطايا؟‍ علمني ذنبي وخطيتي " ( أي 13: 23). ويقول لأصحابه ".. أريد أن كلم القدير، وأن أحاكم إلي الله " ( أي 13: 3). ثم يقول لله " أدع أجيب، أو لم أتكلم فتجاوبني " ( أي 13: 22). " تبحث عن إثمي، وتفتش عن خطيتي " ( أي 10: 6). " أن تبررت يحكم علي فمي. وأن كنت كاملاً يسيذنبني ( أي 9: 20). " أن قلت أنسي كربتي،و أطلق وجهي وأتبلج، أخاف من كل أوجاعي، عالماً أنك لا تبرئني " ( أي 9: 27، 28). " أنا مستذنب، فلماذا أتعب عيثاً؟‍ ولو اغتسلت في الثلج، ونظفت يدي بالأشنان، فإنك في النقع تغمسني، حتي تكرهني ثيابي ( أي 9: 29-31) " أحسن عندك أن تظلم؟‍ أن ترذل عمل يديك وتشرق علي مشورة الأشرار " ( أي 10: 3).







ويقول له : وإن فرض وأخطأت أليست عندك مغفرة؟‍

فيقول لله " أن أخطأت تلاحظني، ولا تبرئني من إثمي " ( أي 10: 14). " إن أذنب فويل لي. وأن تبررت لا أرفع رأسي " " أني شعبان هواناً، وناظر مذلتي " ( أي 10: 15). " أأخطأت؟ ماذا أفعل لك يا رقيب الناس؟‍ لماذا جعلتني عاثوراً لنفسك حتي أكون علي نفسي حملاً؟‍ !" ( أي 7: 20). " ولماذا لا تغفر ذنبي، ولا تزيل إثمي؟‍! لأني الآن اضطجعت في التراب. تطلبني فلا أكون " ( أي 7: 21). ويقول ".. كيف يتبرر الإنسان عند الله؟! إن شاء أن يحاجه، لا يجيبه عن واحد من ألف. هو حكيم القلب وشديد القوة " ( أي 9: 2- 4).

ويعتب الله قائلاً أنك قوي. فماذا أفعل إزاء قوتك وعظمتك؟!

" لأني وأن تبررت، لا أجاوب، بل أسترحم دياني " ( أي 9: 15). " هوذا يمر علي فلا أراه. ويجتاز فلا أراه. ويجتاز فلا أشعر به. إذا خطف،فمن يرده؟! ومن يقول له : ماذا تفعل؟! " الله لا يرد غضبه. ينحني تحته أعوان رهب. فكم بالأقل أنا أجاوبه، وأختار كلامي معه !!" (أي 9: 11- 14). أن كان من جهة قوة القوى، يقول هأنذا.وأن كان من جهة القضاء، يقول : من يحاكمني؟! " ( أي 9: 19). " عنده الحكمة و القدرة. له المشورة و الفطنة. هوذا يهدم فلا يبني. يغلق علي إنسان، فلا يفتح. يمنع المياه فتيبس. يطلقها فتقلب الأرض " " يحل مناطق الملوك، ويشد أحقاءهم بوثاق.." ( أي 12: 13- 18). ثم يقول لله " إن ارتفع تصطاد ني كأسداً ! ثم يعود و تتجبر علي ( أي 10: 16).



ثم يقول له : مندفعة؟ ! وتطارد قشاً يابساً؟! ( أي 13: 25). " ما هو الإنسان حتي يعتبره، وحتي تضع عليه قلبك، وتتعهده كل صباح وكل لحظة؟! " ( أي 7: 17، 18). " إن قلت إن فراشي يعزيني، مضجعي ينزع كربتي، ترعبني بالأحلام، وترهبني بالرؤى " ( أي 7: 13: 14).



ثم يسأل : لماذا إذن ولدت. ويقول لله : تذكر أنك جبلتني.

" يدك كونتانى وصنعتاني كلي جميعاً. أفتبتلعني؟! " أذكر أنك جبلتني كالطين. افتعيدني إلي التراب؟! ( أي 10: 8، 9). " فلماذا أخرجتني من الرحم؟! كنت قد أسلمت الروح، ولم ترني عين. فكنت كأن لم أكن، فأقاد من الرحم إلي القبر " ( أي 10: 18، 19). ثم يحتار،إذ ليس مصالح بينه وبين الله.

فيقول عن السيد الرب " فإنه ليس إنساناً مثلي، فأجاوبه، فنأتي جميعاً إلي المحاكمة. ليس بيننا مصالح، يضع يده علي كلينا !!" ( أي 9: 32، 33).



كل ذلك يقوله أيوب، شاعراً أن الله قد اقتحمه، وأنه قد سلمه إلي أعدائه.

فيقول " يقتحمني أقتحاماً علي اقتحام. يعدو علي كجبار " ( أي 16: 14). ويقول أيضاً دفعني الله إلي الظالم، وفي أيدي الأشرار طرحني.أحاطت بي رماته ( أي 16: 11، 14). ويقول له " خربت كل جماعتي. فبضت علي. وجد شاهد " ( أي 16: 7، Cool. ولعله يقصد أصحابه الذين شهدوا ضده؟؟؟

وفي كل ذلك يبرر أيوب نفسه.





• أنها مشكلة تعرض لها سفر أيوب علي فم وأصحابة " كيف يتبرر الإنسان أمام الله "؟ّ

• فأليفاز التيماني يؤكد أن الإنسان لا يتبرر، فيقول : " من هو الإنسان حتي يزكو؟! والمرأة حتي يتبرر؟! هوذا القديسون لا يأتمنهم، السموات غير طاهرة بعينيه فبالحري مكروه وفاسد، الإنسان الشارب الإثم كالماء"( أي 15: 14-16). " هوذا عبيده لا يأتمنهم،وإلي ملائكته ينسب حماقة" ( أي 4: 18).

• وبلدد الشوحي يكرر نفس المعني تقريباً، فيقول :

" كيف يتبررالإنسان عند الله؟!

وكيف يزكو مولود المرأة !هوذا نفس القمر لا يضئ، والكواكب غير نقية في عينيه. فكم بالحري الإنسان الرمة ! وابن آدم الدود "(أي 25:4-6)

*أيوب يسأل نفس السؤال فيقول :

" صحيح قد علمت أنه كذا. فكيف يتبرر الإنسان عند الله؟! " ( أي 9: 2).



• ويري أيوب أنه مستذنب، ولا يبرئه الله.

• فيقول : لأني وأن تبررت، لا أجاوب، بل استرحم دياني " ( أي 9: 15) ويقول لله " أخاف من كل أوجاعي، عالماً أنك لا تبرئني " ( أي 9: 28). بل إنه يقول أكثر من الثلج، ونظفت يدى بالأشنان، فإنك في النقع تغمسني، حتي تكرهني ثيابي !" ( أي 9: 29، 30).



ويعاتب الله الذي يستذنبه، مع علمه ببراءته.

فيقول له " أن أخطأت تلاحظني، ولا تبرئني من إثمي "( أي 10: 14). " في علمك أني لست مذنباً ولا منقذ من يدك " ( أي 10: 7).

" معصيتي مختوم عليها في صرة، وتلفق علي فوق إثمي !!" ( أي 14: 17). ويتجرأ فيقول " لا تستذنبني. فهمني لماذا تخاصمني " ( أي 10: 3). " أحسن عندك أن تظلم ! أن ترذل عمل يديك !" ( أي 10: 3).

• وهو لذلك، يريد أن يحاكم إلي الله، ويحسن الدعوى أمامه.

فيقول " أريد أن أكلم القدير، وأحاكم إلي الله " " هوذا يقتلني لا أنتظر شيئاً، فقط أزكي طريقي قدامه " ( أي 13: 3، 15). " من يعطيني أن أجده، فآتي إلي كرسيه " " أحسن الدعوى أمامه، واملأ فمي حججاً. " فأعرف الأقوال التي بها يجيبني، وأفهم ما يقوله " ( أي 23: 3، 4). " هناك كان يحاجه المستقيم، وكنت أنجو إلي الأبد من قاضى " ( أي 23: 7) , " أتكلم فتجوبني. كم لي من الآثام و الخطايا؟! أعلمني ذنبي و خطيتي " ( أي 13: 23). " أحمر وجهي من البكاء، وعلي هدبي ظل الموت. مع أنه لا ظلم في يدي، وصلاتي خالصة " ( أي 16: 16، 17) هأنذا قد أحسنت الدعوى أنني أتبرر "( أي 13: 18). " كامل أنا لا أبالي. رذلت حياتي " ( أي 9: 21). ومع ذلك فإن الله " الكامل و الشرير، هو يفنيهما ( أي 9: 21، 22).







قوبل أيوب الصديق باتهامات مرة وظالمة من أصحابه، وبخاصة من أليفاز التيماني.

أثارته الاتهامات الكاذبة. وكان رد فعلها هو الافتخار.

• قال له أليفاز في قسوة وإدعاء كاذب : " هل علي تقواك يوبخك ( الله )؟! أو يدخل معك في المحاكمة أليس شرك ارتهنت أخاك بلا سبب وسلبت ثياب العراة ! ماء لم تسق العطشان، وعن الجوعان منعت خبزاً ! الأرامل أرسلت خاليات، وذراع اليتامى انسحقت ! لأجل ذلك حواليك فخاخ ويريعك رعب بغتة" ثم يدعوه إلي التوبة و الرجوع إلي الله قائلاً له " أن رجعت إلي القدير تبني إن أبعدت ظلماً عن خيمتك "( أي 22: 4-23)





ويقول له وعنه صوفر النعماني :

" أما علمت هذا منذ القديم أن.. فرح الفاجر إلي لحظة، ولو بلغ السماوات طوله، ومس رأسه السحاب.." "" قد بلغ ثروة فيتقأها. الله يطردها من بطنه.. " لأنه رضض المساكين وطردهم، واغتصب بيتاً ولم يبنه.."

" السموات تعلن إثمه، والأرض تنهض عليه ".

" تزول غله بيته، تهرق في يوم غضبه ". " هذا نصيب الإنسان الشرير من عند الله.." ( أي 20: 4- 29).

• لهذا أخذ أيوب يرد عليهم شارحاً كماله وبره.

فيقول " حي هو الله.. إنه مادامت نسمتي في، ونفخة الله في أنفي، لن تتكلم شفتاي إثماً، ولا ينطق فمي، بغش "( أي 27: 3، 4). ".. حتي اسلم روحي، لا أنزع كمالي عني " ( أي 27: 5).

" تمسكت ببري ولا يعير يوماً من أيامي ( أي 27: 6). ويقول عن السيد الرب :

" لأنه يعرف طريقي. إذا رجلي،إذا جربني أخرج كالذهب ( أي 23: 10)

بخطواته استمسكت رجلي، حفظت شريعته ولم أحد "" من وصية شفتيه لم أبرح. أكثر من فريضتي ذخرت كلام فيه " " أما هو فوحده، من يرده؟! نفسه تشتهي فيفعل "( أي 23: 11- 13).

• أنفرد أيوب بالكلام خمسة إصحاحات ( من 26 إلي 31). وكان أصعب كلامه في الافتخار هو إصحاح 29) وما بعده.

• كان جوهر افتخاره مركزاً علي عظمته، وعلي بره :

• قال" ليتني كما في الشهور السالفة، وكالأيام التي حفظني الله فيها. حين أضاء سراجه علي رأسي، وبنور سلكت الظلمة. كما كنت في أيام خريفي، ورضا الله علي خيمتي. والقدير بعد معي، وحولي غلماني إذ غسلت خطواتي باللبن، والصخر سكب لي جداول زيت.." ( أي 29: 2-6)

هنا يتذكر العظمة القديمة التي فقدها. وقلبه يشتهيها !

فيقول " حين كنت أخرج إلي الباب في القرية، وأهيئ في الساحة مجلسي. رآني الغلمان فأختبأوا، و الشيوخ قاموا ووقفوا " ( هنا العظمة التي عاشها. وماذا أيضاً؟) يقول " العظماء أمسكوا عن الكلام، ووضعوا أيديهم علي أفواههم. صوت الشرفاء اختفي، ولصقت ألسنتهم بأحناكهم ". [ لماذا كل هذه الخشية و المهابة التي أصابت كل هؤلاء العظماء، حينما ظهرت يا أيوب، وهيأت في الساحة مجلسك؟! ]

يقول " لأن الأذن سمعت فطوبتني. والعين رأت فشهدت لي "( أي 29: 11).

[ هنا كان الخطر الذي هدد حياة أيوب روحياً ]. الكرامة التي يعيشها كل يوم، و العظمة التي تحيط به من كل جانب. وأيضاً البر الذي تتميز به حياته، و الذي يفتخر به، و يستعرض أعماله الصالحة، ويردد بها علي اتهامات أصحابه له، فيقول : " لأني أنقذت المسكين المستغيث، و اليتيم ولا معين له " " بركة الهالك حلت علي، وجعلت قلب الأرملة يسر ". [ أي أن الإنسان الذي كان علي وشك الهلاك، وأنقذته أنا من الضياع، هذا حلت بركته علي، بدعائه لي بالخير..].. إلي أن يقول :

" لبست البر فكساني. كجبة وعمامة كان عدلي " ( أي 29:14).

نعم، هذه هي مشكلة أيوب : كان يعرف عن نفسه أنه بار، ثم صار يتحدث عن بره، حينما أثاره أصحابه باتهاماتهم.. وهكذا يتحدث عن نفسه في التفاصيل أعماله الصالحة، فيقول : " كنت عيوناً للعمي، وأرجلاً للعرج ". " أب أنا للفقراْ. ودعوى لم أعرفها، فحصت عنها " ( هنا يتحدث عن وضعه كقاض يفحص الأمور. ويراعي العدل بين الناس ].ويتتبع ذلك بقوله :" هشمت أضراس الظالم، ومن بين أسنانه خطفت الفريسة "( أي 29: 15-17).



ثم يتحدث عن أصله وكرامته، ووضعه كملك بين الناس.

فيقول " أصلي كان منبسطاً إلي المياه. و الطل بات علي أغصاني، أي كان كشجرة امتدت جذورها. حتي وصلت إلي المياه الباطنية. فلم تعد محتاجة إلي الري و السقيا، لأن أصولها في المياه، وأكثر من هذا أيضاً، كان الطل ( الندى )علي أغصانها من فوق.. إلي أن يقول عن وضعة بين الناس :

" كنت أجتاز طريقي، وأجلس رأساً. وأسكن كملك في جيش كمن يعزي النائحين "( أي 29: 25).

هذه العظمة، عظمة من يجلس رأساً وملكاً، وكانت سمة الأيام السالفة، التي كان فيها رضا القدير علي خيمته و الصخر سكب له جداول زيت. ولكن ماذا عن حالته الآن؟





قال أيوب عبارة. صدقوني في أول مرة قرأتها، لم استطع مطلقاً أن أصدق أنها خرجت من فم أيوب !! قال :

" وأما الآن فقد ضحك علي أصاغرى أياماً. الذين كنت استنكف من أن أجعل آباءهم مع كلاب غنمي !!" ( أي 30: 1)

إلي هذا الحد وصل مفعول العظمة في قلب أيوب؟! يستنكف من أن يجعل آباءهم مع كلاب غنمه !! أما الآن - فهو يقول - " وأما الآن فصرت أغنيتهم. وأصبحت لهم مثلاً " يكرهونني. يبتعدون عني، وأمام وجهي لم يمسكوا عن البصق " ( أي 30: 9، 10). " الآن انهالت نفسي علي، وأخذتني أيام المذلة.. قد طرحني في الوحل، فأشتهيت التراب و الرماد ( أي 30: 16، 19). نعم شتان بين حاله الكرامة و العظمة، وحال المذلة و الوحل !!

ويعود أيوب إلي التحدث عن أعماله الصالحة. ويجلب علي نفسه اللعنات، إن كان قد فعل كذا وكذا.

ويشمل هذا كل إصحاح 31 من سفر أيوب. وبه تكمل أقواله مع أصحابه الذين استمعوا إليه صامتين.. بدأ بقوله " عهداً قطعت لعيني، فكيف أتطلع في عذراء؟! " وقال عن الرب " أليس هو ينظر طرقي، ويحصي جميع خطواتي "

" ليزني في ميزان الذهب، فيعرف الله كمالي " ( أي 31: 6).

وهذا تأكيد لما قاله من قبل " لأنه يعرف طريقي : إذا جربني، أخرج كالذهب " ( أي 23: 10)، وأيضاً تأكيد لما قاله من قبل عن كماله " كامل أنا لا أبالي "( أي 9: 21).".. لا أنزع كمالي عني "(أ] 27: 20).

أما عن استجلاب اللعنات علي نفسه، أن كان قد فعل كذا وكذا.

فيقول " أن كنت قد سلكت الكذب، وأسرعت رجلي إلي الغش.." إن حادت خطواتي عن طريق.".. " أن غوى قلبي علي امرأة، أو كمنت علي باب قريبي.." " أن كنت رفضت حق دعواهما علي.." " أن كنت منعت المساكين عن مرادهم.. أو أكلت لقمتي وحدي، فما أكل منها اليتيم..".. فليحدث لي كذا وكذا " أن كنت قد جعلت الذهب عمدتي، أو قلت للأبريز أنت متكلي.." … فليحدث لي كذا وكذا

" أن كنت قد فرحت ببلية مبغضي، أو شمت حين أصابه سوء.." " غريب لم يبت في الخارج. فتحت للمسافر أبوابي ".

• ويختم أيوب افتخاره بأن يتحدى كل من تهمه، فيقول : "

" من لي بشكوي كتبها خصمي : فكنت أحملها علي كتفي. كنت أعصبها تاجاً لي ( أي 3: 35، 36).

أمام كل هذا الافتخار و البر الذاتي، سكت أصحابي أيوب، ولم يتابعوا الحوار معه بعد. وفي ذلك يقول الوحي الإلهي :

" فكف هؤلاء الرجال الثلاثة عن محاربة أيوب، لكونه باراً في عيني نفسه "( أي 32: 1).

فما الذي حدث بعد ذلك؟ وكيف انتهت قصه أيوب و تجربته؟.





هكذا قال الوحي الإلهي " فكف هؤلاء الرجال الثلاثة عن مجاوبة أيوب، لكونه باراً في عيني نفسه " ( أي 32: 1).. حقاً إنه من الصعب التحاور مع إنسان يكون باراً في عيني نفسه. ولم يكن هذا الشعور أصحابه الثلاثة فقط، بل إن الصديق الرابع ( أليهو) الذي كان صامتاً بينهم لم يستطع أن يقاوم صمته بعد ما لاحظه من البر الذاتي لأيوب. وهنا يقول الكتاب: " فحمي غضب أليهو بن برخئيل البروزى من عشيرة رام. علي أيوب حمي غضبه، لأنه حسب نفسه أبر من الله ! وعلي أصحابه الثلاثة حمي غضبة، لأنهم لم يجدوا جواباً واستذنبوا أيوب " ( أي 32: 2، 3).

فماذا فعل أليهو؟ وماذا قال



اليهو يعلمنا احترام الكبار، ولكن ليس فوق الحق.

كان صمت طول مدة الحوار بين أيوب وأصحابه " لأنهم كانوا أكثر منه أياماً " ( أي 32: 4)، أي أكبر منه سناً، ولكن " لما رأي أنه لا جواب في أفواه الرجال الثلاثة "، " وليس من حاجج أيوب " حينئذ حمي غضبه " ( أي 32: 5، 12). فقال لهم " أنا صغير الأيام، وأنتم شيوخ. لأجل ذلك خفت، وخشيت أن أبدى لكم رأيي. قلت الأيام تتكلم، وكثرة السنين تظهر حكمة " (أي 32: 6، 7). فلما لم يظهروا تلك الحكمة، اضطر أن يتكلم

يبدو أليهو- في تجربة أيوب - إنساناً ذا هيبة يكلم أولئك الشيوخ بسلطان. ولم يجادله أحد. كان كمن يمثل الله.

وقد رد علي أيوب في كثير من أقواله، ووبخه. كان أيوب قد قال " أريد أن أحاكم إلي الله "( أي 13: 3)" وأحسن الدعوى أمامه " ( أي 23: 4). وقال لله "لا تدع هيبتك ترهبني " ( أي 13: 21)

فرد عليه أليهو في مهابته وقال " إن استطعت فأجبني، وأحسن الدعوى أمامي. أنتصب. هأنذا - حسب قولك - عوضاً عن الله. أنا أيضاً من الطين تقرصت. هوذا هيبتي لا ترهبك، وجلالي لا يثقل عليك "( أي 33: 5-7).

وبدأ أليهو يناقش أيوب، ويرد علي كل نقطة. وواجهه : " قلت أنا برئ بلا ذنب. زكي أنا ولا إثم لي. هوذا يطلب علي علل عداوة، يحسبني عدواً له.. يراقب كل طرقي "" ها أنك في هذا لم تصب "( أي 33: 9-12). وأفحمة بنقطتين:

أولاً - إن الله لا يناقش في أحكامه. ذا قال له " لماذا تخاصمه؟ لأن كل أموره لا يجاوب عنها "( أي 33: 13). و النقطة الثانية هي أن الله " يؤدب بالوجع " ليمنع الإنسان الكبرياء و المجد الباطل. وهكذا قال عن الله :" ليحول الإنسان عن عمله، ويكتم الكبرياء عن الرجل، ليمنع نفسه عن الحفرة "( أي 33: 17- 19) " ليرد نفسه من الحفرة، ليستنير بنور الأحياء " ( أي 33: 30).

ومن العبارات الهامة التي نطق بها أليهو، ما ذكره عن الفدية، و القيامة، والإنقاذ من التجربة و الموت..



إنها كلمات يقولها لأيوب عن عمل الله " يعلن للإنسان استقامة " يتراءف عليه. ويقول أطلقه من الهبوط إلي الحفرة، قد وجدت فديه " يصير لحمه أغضن من لحم الصبي، ويعود إلي أيام شبابه "يصلي إلي الله فيرضي عنه، ويعاين وجهه بهتاف. فيرد علي الإنسان بره "( أي 33: 24- 26). ومن أجمل كلماته المعزية، قوله لأيوب :

" تكلم، فإني أريد تبريرك " ( أي 33: 32).

ويتبعها بقولة " وإلا استمع أنت لي. أنصت فأعلمك الحكمة " عجيبة هذه العبارة يقولها إليهو في مهابة لشيخ مثل أيوب ! ولكنه كما قلت : كان يمثل الله في مواجهة أيوب، بل كان يمهد لمخاطبة الله له …



كيف إذن علمه الحكمة؟ بتوبيخ وبنصيحة.

أما النصحية فهي، لكي يرد الله عليه بره :" يغني بين الناس ويقول : قد أخطأت وعوجت المستقيم، ولم أجاز عليه. فدي نفسي من العبور إلي الحفرة "( أي 33: 26- 28). وأيضاً أيوب لم يحسن التخاطب مع الله، كما شرح أليهو : " هل لله قال : احتملت. لا أعود أفسد. ما لم أبصر، فأريه أنت. إن كنت قد فعلت إثماً، فلا أعود أفعله.." ( أي 34: 31، 32).

وهكذا فإن أليهو وبخ أيوب، أيوب، فقال عنه :

" إن أيوب يتكلم بلا معرفة، وكلامه ليس بتعقل " أضاف إلي خطيته معصية. يصفق بيننا، ويكثر كلامه علي الله " ( أي 34: 35، 37). " لأن أيوب قال : قد تبررت، ونزع الله حقي.. جرحي عديم الشفاء من دون ذنب "" فأي إنسان كأيوب، يشرب الهزء كالماء؟! " ( أي 34: 5- 7). ووبخه قائلاً " أتحسب هذا حقاً؟! قلت أنا أبر من الله !!" ( أي 35: 2)." إن كنت باراً، فماذا أعطيته؟! أو ماذا يأخذه من يدك؟! " ( أي 35: 7). وختم هذا الجزء من كلامه بقوله " فغر أيوب فاه بالباطل، وكبر الكلام بلا معرفة "( أي 35: 16).



ودافع أليهو عن عدل الله و عظمته فقال :

" حاشا لله من الشر، و للقدير من الظلم. لأنه يجازي الإنسان

علي فعله " " فحقاً إن الله لا يفعل سوءاً، والقدير لا يعوج القضاء " ( أي 34: 10- 12)." لا يحابي بوجوه الرؤساء.. لأن عينيه علي طرق الإنسان، وهو يري كل خطواته "( أي 34: 19، 21) هوذا الله عزيز، ولكنه لا يرذل أحداً "" لا يحول عينيه عن البار " ( أي 36: 5، 7) " هوذا الله يتعالي بقدرته. من مثله علماً؟!.. أو من يقول له : قد فعلت شراً؟! (أي 36: 22، 23).







و يختم أليهو حديثة مع أيوب، بقوله : " أنصت إلي هذا يا أيوب و تأمل بعجائب الله " القدير لا ندركه، عظيم القوة و الحق وكثير البر. لا يجاوب "( أي 37: 14، 23).

المهم في كل ما قاله أليهو، أن الله لم يقل عليه إنه جانب الصواب، مثلما قال عن صوفر بلدد وأليفاز..

كان كلامه صواباً. وكان تمهيداً بما قاله الله لأيوب، يحسن بنا جداً أن نشرح خطة الله - تبارك اسمه - في قصة تجربة أيوب، ولماذا سمح بها؟ وماذا كانت حكمته؟





كان الله يري أموراً تجارب أيوب بالبر و بالعظمة.

• الغني الواسع الكبير، الذي كان فيه " أعظم كل بني المشرق " ( أي 1: 3) إذ كان له سبعة آلاف من الغنم، وثلاثة آلاف جمل،وخمسة مئه فدان بقر، وخمسة مئه آتان. وكان خدمة كثيرين جداً ( أي 1: 3)

• وكانت له الأسرة الكبيرة : سبعة بنين و ثلاث بنات ( أي 1: 2)

• ومن جهة البر " كان كاملاً و مستقيماً، يتقي الله و يحيد عن الشر " ( أي 1: Cool. وكان يحسن إلي الأرامل و اليتامي، ويشفق علي الفقراء كان عيوناً للعمي، وأرجلاً للعرج وأباً للفقراء ( أي 29: 12-16).

• وكل هذا جعله محبوباً جداً من المساكين، وحترماً جداً من العظماء يهابه الكل و يمتدحونه. الأذن سمعت فطوبته،و العين رأت فشهدت له ( أي 29: 7- 11).



في كل هذا، كان الله يريد إنقاذه من العظمة و البر الذاتي. وكان لابد لتنفيذ ذلك من عملية تجريد واسعة النطاق.

فلما حسد الشيطان أيوب، سمح له الله بضربه من أجل خير أيوب روحياً،لينقذه من العظمة و البر، ويريه أنه من الممكن أن يخطئ، وأن يتعب من التجربة، وأن يفتخر و يدافع عن نفسه …

ثم بعد ذلك يعيد الله بناءه الروحي، علي أساس من الانسحاق







وقد كان : فتم تجريده من كل ما يملك : من البقر والأتن و الغنم و الجمال، ومن البيت الذي يسكنه. كما جرده أيضاً من بنيه و بناته، ثم جرده أيضاً من احترام الناس له. حتي أن أصدقاءه الذين بكوا أولاً إشفاقا عليه، عادوا فجرحوه كثيراً واتعبوا نفسيته، واعتبروه خاطئاً يعاقبه الله و يحتاج إلي توبة. وفي محيط آسرته : أقاربه خذلوه، ومعارفه نسوه. وأصبح يدعو عبده فلا يجيبه، فيتضرع إليه و أصبح رائحته مكروهة عند امرأته ( أي 19) أما عن نفسيته في الداخل فكشف له الله كيف هي ضعيفة تتأثر بالاتهام و تثور و حتي مع الله كيف أنه في عتابه له يتهم الله بالظلم وبأنه يستذنبه وهو يعلم ببراءته، ويفتش له علي خطية ( أي 10). وكيف أنه يفتخر ويقول : أنا بار. أنا كامل. التهم التي توجه إلي، أنا أضعها تاجاً فوق رأسي.إذا جربني أخرج كالذهب …





حتي أن أصحابه الثلاثة كفوا عن الحوار معه، لأنه بار في عيني نفسه، ولأنه حسب نفسه، ولأنه حسب نفسه أبر من الله ( أي 32: 1، 2) و لدرجة أن أليهو قال عنه " الله يغلبه لا الإنسان "( أي 32: 13). فكان لا بد من أن يتدخل الله.



الله الذي بدأ بتجريد أيوب من المال و الصحة واحترام الناس، تدخل أخيراً لكي يجرده من العظمة و البر الذاتي.

لكي ينقيه و يطهره، ويعيد إليه كماله، من جهة. ولكي يرد سبيه، وينهي هذه التجربة المرة لصالحه. وأيضاً ليهبه حياة بارة مؤسسة علي انسحاق القلب. وهكذا بعد أن انتهي أليهو بن برخئيل البوزى من أعداد الطريق قدامه، كرسالة يوحنا المعمدان في أن يهيئ للرب شعباً مستعداً ( فيما بعد ) [ لو 1: 17].. أخيراً تكلم الرب من العاصفة، ليرد أيوب إلي طقسه.

بدأ الله بإشعار أيوب بضعفه وجهله، وظلمه للتدبير الإلهي.

فقال " من هذا الذي يظلم القضاء بكلام بلا معرفة؟! "( أي 38 : 2).. بداية حاسمة، وكأنها الخاتمة.. قطعاً إن الذي لا يدرك حكمة التدبير الإلهي، إنما يقع في الظلم، و في الجهل بقاصد الله الخيرة.. ثم سخر به الله قائلاً " أشدد الآن حقويك كرجل. أسالك فتعلمني !! أين كنت حين أسست الأرض؟ أخبر إن كان عندك فهم ! من وضع قياسها؟ لأنك تعلم !! ( أي 38: 3- 5).

وظل الله يسأل أيوب أسئلة في الخليقة حتي أعجزه.

وحتى قال أيوب في انسحاق " ها أنا الحقير، فماذا أجاوبك؟! وضعت يدي علي فمي. فمرة تكلمت فلا أجيب، ومرتين فلا أزيد " ( أي 40: 4، 5). واستمر الرب في توبيخ أيوب، وفي مزيد من الأسئلة، قائلاً له : " الآن أشدد حقويك كرجل. أساله فتعلمني ( فاعرفني ) ":

" العلك تناقض حكمي؟! تستذنبني لكي تتبرر أنت !!" ( أي 40: 7، Cool.



وقال له مرة أخري في سخرية " تزين الآن بالجلال و العز، و البس المجد و البهاء !! فرق فيض غضبك، وانظر كل متعظم و أخفضه. انظر إلي كل متعظم وذلله " ( أي 40: 10- 12). وكانت هذه العبارة، تذكر أيوب بأنه كمتعظم، يلزمه أن يخفضه الله ويذلله، وكأنه وضع نفسه موضع الله ! وقال له أيضاً في سخرية " أنا أيضاً أحمدك، لأن يمينك تخلصك !!" ( أي 40: 14).. واستمر في كلامه، إلي أن ذكر من هو " ملك علي كل بني الكبرياء "( أي 41: 34).



نجح الله في خطته، وأوصل أيوب إلي انسحاق القلب من الداخل. وبه كانت التجربة قد وصلت إلي هدفها الروحي، فانتهت مدتها. وهكذا " أجاب أيوب الرب فقال : قد علمت أنك تستطيع كل شئ ولا يعسر عليك شئ.." ( أي 42: 2). " ولكني قد نطقت بما لم أفهم. بعجائب فوقي لم أعرفها " ( عبارة نطقت بما لم أفهم، اعترف فيها أيوب بأخطائه في كل ما قاله لأصحابه، وما قاله لله، واعتبر أنها خطية جهل. وأنه كان يتكلم كإحدى الجاهلات، كما قال لامرأته قبلاً ( أي 2: 10) و القياس مع الفارق. وأنه فعلاً " الشر لم يقبل " بل ثار عليه واحتج وحزن وشكا، وتغير عما قاله قبلاً. وكان في وضع فاقد لحياة الشكر و لحياة التسليم !!

طبعاً هناك فرق بين الكامل المستقيم قبل التجربة ( أي 1: Cool. وأيوب بعد التجربة الذي قال له أليهو " ها أنك في هذا لم تصب "( أي 33: 12).



وعبارة " عجائب فوقي لم أدركها " التي قالها في انسحاق

لعلها تعني أيضاً عجائب الرب في مقاصده الإلهية، وسماحه بهذه التجربة لخيره و تنقيته و مكافأته.. هذه أيضاً لم يدركها، فتكلم بما لم يفهم …

عبارة عجائب لم أعرفها، تقدم لنا مبداً روحياً هو : هناك أمور في حكمة الله، علينا أن نقبلها، وأن كنا لا نعرفها …

كان أيوب يقول قديماً في تعجب واستنكار :" هل الخير من الله نقبل و الشر ( أي المتاعب ) لا نقبل؟! ( أي 2: 10). ولكن مشكلته في تجربته، أنه انتقل من مبدأ القبول إلي مبدأ الفهم والإدراك. فأصبح ما لا يدركه، يتكلم بأقوال ضده. ولكنه في انسحاق شعر بذلك الخطأ. لأن هناك حكمة من الله، قد لا ندركها، هي عجائب فوق فهمنا ولكن علينا أن نقبلها …

وهكذا قال لله بعد ذلك " اسمع الآن وأنا أتكلم.اسألك فتعلمني ". هنا لا يقف من الله موقف المحاور و المجادل و ألم جاوب و المناقش. وإنما في اعترافه بجهله، يقف كتلميذ يقول لله " أسألك فتعلمني ". لقد تجرد هنا من فهمه، حسب قول الوحي الإلهي فيما بعد " وعلي فهمك لا تعتمد " ( أم 3: 5). وكما اعترف بجهله، و بنطقه بما لم يفهم، كذلك وجد واجباً عليه أن يرفض ذاته وأشياء كثيرة فقال :

لذلك أرفض وأندم في التراب و الرماد " ( أي 42: 6).

يرفض كل أفكاره أثناء احتجاجه. يرفض ما قاله في تبرير نفسه. يرفض عبارة أنا كامل، وعبارة أنا بار. يرفض ما قاله عن عداوة الله له، واتخاذه خصماً له. يرفض عبارة يستذنبني، وفي علمه أنني بار. يرفض عبارات : يفترسني. يقتلني. أهوال الله مصطفة ضدي. يرفض أيضاً كل ما قاله عن عظمته ( أي 29، 30) و يندم علي ذلك. في التراب و الرماد. حقاً بعد ما عرفته يارب عن عظمتك غير المحدودة، وأصبحت في نظر نفسي - مجرد تراب ورماد.



ولما وصل أيوب إلي التراب و الرماد ورفض الذات، انتهت تجربته.

بقي عليه قبل أن يرد الله سبيه، وأن يصلي من أجل أصحابه أولئك الذين قال عنهم أنهم " معزون متعبون، وأطباء بطالون "، وقال عن حديثهم معه " أما من نهاية لكلام فارغ !"

وأمر الرب أليفاز التيماني و صحبيه أن يذهبا إلي أيوب، لكي يصلي من أجلهم و يشفع فيهم، ولإ يصنع معهم الرب حسب حماقهم ( أي 42: Cool قائلاً لهم " لأنكم لم تقولوا في الصواب كعبدى أيوب ".





نلاحظ أن أيوب - لما تاب وندم - لم يذكر له الرب ما وقع فيه من أخطاء بعد التجربة.

كما قال الرب في سفر أرمياء النبي " أصفح عن إثمهم، ولا أذكر خطيتهم بع " ( أر 31: 34). وكما قال في سفر حزقيال النبي " كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه. في بره الذي عمل يحيا " ( حز 18: 22).



" ورد الرب سبي أيوب، لما صلي لأجل أصحابه " " وزاد الرب علي كل ما كان لأيوب ضعفاً ً " ( أي :42: 10)

وبارك الرب آخر أيوب أكثر من أولاه ". ووهبه الله ضعفاً في الغنم و الإبل و الأتن التي فقدها ( أي 42: 12) ( أي 1: 3). ولكنه لم يعطه ضعفاً في البنين و البنات، لأنهم لم يفقدوا. هم أحياء " ليس موت لعبيدك يارب، بل هو انتقال ". وهكذا بقي لأيوب بعد التجربة سبعه بنين وثلاث بنات، كما كان له من قبل. فيكون الضعف هو عدد ما رزق به بعد التجربة. مع عدد الذين ماتوا …

أما الميزة و المكافأة، فهي قول الكتاب " ولم توجد نساء جميلات كبنات أيوب في كل الأرض " ( أي 42: 15). هل نتجرأ ونقول : أعطاه أيضاً ضعفاً في العمر، إذ عاش بعد التجربة 140 سنة ( أي 42: 16) إذا افترضنا أن عمره كان أثناء التجربة 70 عاماً ….

حقاً كما قال يعقوب الرسول : " قد سمعتم بصبر أيوب، ورأيتم عاقبة الرب. لأن الرب كثير الرحمة ورؤف "( يع 5: 11).

نتعلم من تجربة أيوب، أن لكل تجربة نهاية.

لا توجد مشاكل أو متاعب في صعود إلي مالا نهاية. إنما المتاعب لها شكل هرمي، يصل إلي قمته ثم ينحدر. ويعجبني قول أيوب في عمق تجربته : " قد علمت أن ولي حي، والآخر علي الأرض يقوم. وبعد أن يفني جلدي هذا، وبدون جسدي، أري الله "( أي 19: 25، 26). ولكن سمح الله له أن يراه، قبل أن يفني جلده، وقبل خروج روحه من جسده. فقال للرب " بسمع الأذن سمعت عنك، والآن رأتك عيني "( أي 42: 5)





المقدمة

(1) في أي عصر عاش أيوب الصديق؟ وما موطنه؟

(2) تجربة أيوب الصديق

لماذا كانت؟ وكيف كانت؟ وما نتائجها؟

( 3) انفعالات داخل نفسية أيوب

(4) أصحاب أيوب وملخص لأخطائهم

( 5) قسوة أصحاب أيوب عليه، واتهاماتهم الظالمة

أيوب يرد عليهم، ويشكو مرارة نفسه وسوء حالته

(6) أربع جولات للشيطان ضد أيوب

أيوب يعاتب الله عتاباً شديداً

(7) أيوب يبرر نفسه أمام أصحابه وأمام الله

ويفتخر بما له من بر، وكمال وعظمة !

(Coolأيوب البار في عيني نفسه و العظيم بين قومه

كيف أوصله الله إلي الانسحاق، وانتهت تجربته؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://rosa2007.multiply.com/
 
أيوب الصديق ولماذا كانت تجربته.
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الراعى و الخراف :: منتديات قداسة البابا شنودة الثالث :: كتب للبابا-
انتقل الى: