تفسير سفر الجامعة كاملا للقمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير سفر الجامعة
المؤلف: القمص تادرس يعقوب ملطي
المحتويات
دعوة من الجامعة إلى الحياة الجامعة .................................................
مقدمة في سفر الجامعة .................................................. ................
صعوبة السفر، كوهيليث، واضع السفر، مفتاح السفر، سمات السفر، إلى من يوجه هذا السفر؟ علاقته بسفرى الأمثال ونشيد الأناشيد، اللاهوت في سفر الجامعة، أولاً: الله في سفر الجامعة، ثانيًا: العالم في سفر الجامعة، ثالثًا: الحياة في سفر الجامعة، رابعًا: الإنسان في سفر الجامعة، خامسًا: الحكمة في سفر الجامعة، الاطار العالم.
الباب الأول
براهين بطلان العالم خارج الله
بطلان العالم .................................................. ...........................
الأصحاح الأول: شهادة الطبيعة .................................................. ...
كاتب السفر، موضوع السفر، شهادة الطبيعة، بطلان الحكمة البشرية.
الأصحاح الثاني: بطلان مباهج العالم. "خبرته الشخصية" ......................
بطلان السعي وراء الملذات، بطلان السعي وراء الثروات، بطلان السعي وراء الحكمة البشرية، بطلان السعي وراء التعب، التمتع بملذات الحياة العادية المُعطاة من الله.
الأصحاح الثالث: شهادة العالم .................................................. ....
لكل شيء زمان، خطة الله الأبدية (فوق الزمن)، ظلم الإنسان يفسد العالم.
هذا الموضوع تجده على منتديات يسوعنا فوق الزمان
[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]
الأصحاح الرابع: شهادة المجتمع .................................................. .
الظلم والتجرد من الإنسانية، حماقة السعي وراء الراحة، بين الأنانية والصداقة، حماقة السعي وراء المجد الباطل.
الباب الثاني
التطبيق العملي
حياتنا في عالم متغير .................................................. ...............
الأصحاح الخامس: الحب في العبادة والسلوك ...................................
عبادة قلبية صادقة، سلوك محبة خالصة، فرح وشكر بعطايا الله.
الأصحاح السادس: افساد عطايا الله ...............................................
ثروة يتمتع بها غريب، ثروة يفسدها الشعور بالعوز، الاكتفاء بعطايا الله.
الأصحاح السابع: الاستعداد الحكيم للأبدية ........................................
الصيت أفضل من الترف، الحكمة (الرزانة) أفضل من البطش، الحذر خير من الاندفاع، الحكمة أفضل من الميراث، الشكر أفضل من التذمر، الاعتدال أفضل من الافراط، اطلب الحكمة خارج المتملقين.
الأصحاح الثامن: السلوك الحكيم الهادف ..........................................
الحكمة في حياة الإنسان، الحكمة وطاعة الرؤساء، الحكمة في الظروف المفاجئة، الحكمة والحكم القهرى، الحكمة ورفاهية الأشرار، التأمل في عمل الله وعطاياه.
الأصحاح التاسع: الحكمة ووليمة العرس .........................................
عجز الإنسان عن معرفة مقاصد الله، الله يُقدم فرص التوبة، لنعمل للعُرس الأبدي، لا نفع للعمل بدون النعمة، كن مستعدًا بالحكمة.
الأصحاح العاشر: الحذر حتى من الصغائر ...........................................
تحذير من الجهالة القليلة، تحذير من مواجهة الظلم بالعنف، تحذير من اللسان الخبيث، تحذير من عدم النضوج، تحذير من الكسل، تحذير من سب الآخرين.
الأصحاح الحادى عشر: الجهاد المملوء حبًا .....................................
لا نكِّلّ من المحبة العملية، دعوة عمل للشباب.
الأصحاح الثاني عشر: الجهاد المبكر ..............................................
اذكر خالقك في أيام شبابك، ضعف الشيخوخة ومتاعبها، امكانية التغلب على البطلان.
باسم الآب والابن والروح القدس
الله الواحد، آمين
دعوة من الجامعة إلى الحياة الجامعة
يُعتَبر سليمان الحكيم هو أول من بني بيتًا لله في العالم؛ لكنه عاد فأنحرف إلى العبادة الوثنية بسبب نسائه الأجنبيات وحياة اللهو التي مارسها. وإذ شعر بخطئه عاد إلى الرب إلهه من جديد لينضم إلى الجماعة المقدسة بالتوبة الصادقة. وقد جاء سفر الجامعة يكشف عن توبته العملية ورجوعه إلى الجماعة.
دعى نفسه بالعبرية "كوهيليث Qoheleth " التي تعني "الجامعة"، فقد أدرك حنو الله الذي حمله كما على منكبيه من خلال طريقه ليرده إلى الحياة الجامعة، إلى القطيع الإلهي، إلى كنيسة الله التي يجتمع فيها الله مع شعبه. بمعنى آخر لقد كتب "الجامعة" سفر "الجامعة" لكي يحث كل تائه على العودة إلى الحياة "الجامعة" أو إلى الحياة الكنسية المتهللة، بعدما يكتشف بطلان كل ما هو تحت الشمس (3: 1)، فيرتفع إلى فوقها، أو إلى ما فوق الزمن، ممارسًا الحياة الجديدة السماوية الخالدة.
إن كان سفر الجامعة قد ركز على تأكيد بطلان العالم بكل ملذاته فإنه في نفس الوقت يوضح أن كل ما صنعه الله حسن ورائع، وهو جسور للعبور حتى ينطلق المؤمن إلى خالق العالم نفسه، ويتمتع بالحياة الحقَّة الأبدية.
كُتب هذا السفر إلى كل إنسان ليكتشف حاجته إلى الله كمخلص له ومصدر شبع وسعادة حقَّة عوض إساءة استخدام العالم والارتباك بهمومه.
يقول القدِّيس يوحنا سابا: [ضع أمام عينيك نهاية هذا العالم وتغييره، فتشتعل فيك نار الحياة العتيدة[1]]؛ [كل الذين أغمضوا عيونهم عن شهوات هذا العالم أشرق نور مجد الله في نفوسهم، واقتنوا أجنحة روحية وطاروا وسكنوا في نور الجمال... سكرت نفوسهم كل ساعة بحلاوة الله ولم يعملوا شهوة أخرى خارجة عنه[2]].
مقدمة في سفر الجامعة
يركز سفر الجامعة على تعبير "باطل hebel"، فقد تكرر 37 مرة؛ جاء في مقدمة السفر: "باطل الأباطيل قال الجامعة" (1: 2)؛ وتكررت نفس العبارة في الخاتمة (12:
. وكأن الكاتب يود أن يؤكد لنا أنه ليس من شيء على الأرض يمكنه أن يهب الإنسان شبعًا حقيقيًا أو سعادة مطلقة. وهو في هذا لا يحمل اتجاهًا تشاؤميًا كما يظن البعض، وإنما يقدم إدراكًا واعيًا لمحدودية الأشياء وعجزها عن تقديم أي نوع من الشبع للإنسان الداخلي الذي هو على صورة خالقه.
في الواقع يمثل هذا السفر عظة غايتها الزهد في أهواء العالم وملذاته خاصة في العبادة لله، إذ لا يليق بنا أن نتعبد له بغية نوال عطايا زمنية أو ملذات أرضية. فالعالم في ذاته حسن، وحياتنا فيه هي هبة إلهية. لكننا نُسيء استخدامه عندما نجعل منه هدفًا في ذاته، أو نظن حياتنا الوقتية كأنها أبدية. وكأن المشكلة ليست في طبيعة العالم وإنما في مفاهيمنا المنحرفة وإرادتنا الشريرة. بهذا يمنح هذا السفر راحة عظيمة للذين يريدون مواجهة حقيقة الحياة في إخلاص وبأمانة.
صعوبة السفر :
يجد الإنسان الروحي في هذا السفر تمهيدًا حقيقيًا للسلوك في الطريق الملوكي، طريق الحب الإلهي دون الارتباك بأمور العالم المفرحة أو المحزنة؛ بل ويجد في العالم لمسات حب لله وعنايته فيزداد تعلقًا بخالقه. غير أن القارئ العادي كما بعض الدارسين يجدون بعض المصاعب، علتها الآتي:
1. الشعور باليأس، إذ يواجه الكاتب الواقع بأمانة ويصوِّره كما يراه. هذا الإخلاص في مواجهة الحياة يكشف له عن معنى خفي من جوانبها المبهمة[3]، فنجده يقول: "الذهاب إلى بيت النوح خير من الذهاب إلى بيت الوليمة" (7: 2)؛ "ما يحدث لبني البشر يحدث للبهيمة، وحادثة واحدة لهم، موت هذا كموت ذاك..." (3: 19)؛ "لأن في كثرة الحكمة كثرة الغم، والذي يزيد علمًا يزيد حزنًا" (1: 18).
يركز على تأكيد حقيقة الموت لا لنتطلع إلى الحياة بمنظار مظلم، وإنما لكي ترتفع أنظارنا وقلوبنا ومشاعرنا إلى ما وراء الموت، فإنه حتى الحكمة الزمنية أو المعرفة البشرية تعجز عن أن تهب سعادة حقة.
2. هو أحد الأسفار الحكمة، لكنه يختلف عنها في غياب نغمة الفرح والتسبيح أو الشكر لله.
3. ركز على الجانب السلبي وإن كان لم يتجاهل الجانب الإيجابي مثل التطلع إلى الحياة بكل شئونها كعطية إلهية (2: 24)، والالتصاق بمخافة الله (12: 13).
يلزمنا أن نضع في اعتبارنا أن هذا السفر يُخاطب كل الناس وليس شعبًا معينًا. هو سفر الشخص الطبيعي بأفكاره وأعماله بعيدًا عن روح الله والإعلان الإلهي (1 كو 2: 14). هذا هو معنى العبارة: "تحت الشمس"، أي جميع بني البشر. لهذا السبب لا يستخدم الكاتب تعبير "يهوه" الخاص بالله الذي يدخل في عهد مع شعبه، إنما يستخدم تعبير "ألوهيم" الخاص بالله كخالق[4]. كأن الكاتب يقتصر على الإعلان الطبيعي، النور الصادر عن الطبيعة، وعلى الحكمة البشرية، لذا يُكرر القول: "أنا ناجيت قلبي" سبع مرات.
كوهيليث Qoheleth :
جاء عنوان السفر: "كلام كوهيليث Qoheleth (الجامعة)" (1: 1). أما كلمة Ecclesiastes (الجامعة) فأُخذت عن الكلمة اليونانية التي تعني "الكنيسة" Ecclesia أو "مجمع" أو "اجتماع"، وهي ترجمة للكلمة العبرية Qoheleth[5].
الكلمة العبرية Qohegeth مشتقة من الفعل qahal معناه "يجتمع"، أو من الفعل qahal معناه "اجتماع". ويترجمها القدِّيس جيروم concionator أو "كارز"[6]. وإذ يصر آخرون على ارتباط الكلمة بالفعل qahal يفضلون ترجمتها بمعنى "إنسان يجمع أقوالاً حكيمة" (راجع 12: 9-10) أو "إنسان يُخاطب جماعة". يرى البعض أن التفسير السليم هو: "إنسان يجمع جماعة بهدف مخاطبتهم"[7]. فقد جمع سليمان الشعب معًا ووجه لهم هذه العظة، كاشفًا لهم عن انزلاقاته.
واضع السفر :
حتى القرن التاسع عشر كان الاعتقاد السائد أن سليمان هو كاتب السفر بأكمله، هذا ما تؤكده بعض العبارات الواردة فيه. يُقدم الواعظ نفسه بوضوح أنه سليمان بكونه "ابن داود الملك في أورشليم" (1: 1)، الذي فاق كل من سبقوه في الغنى والحكمة (1: 16؛ 2: 7، 9). وبالتأكيد أسلوب حياته واهتمامه بالحكمة لهما انعكاساتهما على هذا السفر. كما يمكن القول بأن السفر هو ثمرة عودة سليمان إلى الله بعد انغماسه زمانًا في الملذات الدنيوية وارتباطه بنساء غريبات الجنس وثنيات. فقد سجل لنا في أيامه الأخيرة خبرته الطويلة.
يُمكن اعتبار هذا السفر إما من كتابات سليمان نفسه في أيامه الأخيرة، أو هي كلمات لم ينطق بها كما هي إنما تُلخص خبراته الكاملة بدقة.
هذا وسمة السفر ككل تتفق مع عمل هذا الملك الحكيم كاتب سفر الأمثال[8]. لكن يرفض بعض الدارسين نسبة هذا السفر إلى سليمان الحكيم للأسباب التالية[9]:
1. لم يُذكر اسم سليمان في السفر، خاصة وإن اسم "كوهيليث Qoheleth" غير مألوف على لسان أي ملك.
2. استخدام صيغة الماضي: "كنت ملكًا في أورشليم" (1: 12)، ونحن نعلم أن سليمان بقي في الحكم حتى يوم وفاته. جاء في أسطورة عبرية وردت في الترجوم أن سليمان إذ شاخ نزعه الله عن العرش بسبب ارتباطه بنساء غريبات الجنس، وأقام عوضًا عنه ملاكًا يحمل ذات ملامحه. فهام سليمان الملك الكهل في فلسطين نائحًا وباكيًا على غباوته، وكان يصرخ قائلاً: "أنا كوهيليث (الجامعة أو المبشر) الذي كنت قبلاً أُدعى سليمان، كنت ملكًا على إسرائيل في أورشليم". تُعلل هذه الأسطورة غياب اسم "سليمان" عن السفر، وأيضًا قوله: "كنت ملكًا في أورشليم"، كمن قد توقف عن أن يكون ملكًا، بينما بقيَ على الكرسي حتى وفاته.
هذا والفعل في العبرية "كنت" يمكن أن يعني: "كنت (ولا أزال) ملكًا".
3. أحد الصعاب التي تواجه القائلين بنسبة السفر لسليمان الحكيم هي حديثة عن ملوك سابقين له في أورشليم (1: 16؛ 2: 7)، بينما لم يكن قبله سوى ملك واحد، هو داود. لكن ربما يُشير سليمان الحكيم هنا إلى ملكيصادق وأدوني بازق وغيرهما من الملوك غير العبرانيين.
4. لغة السفر: إذ يرى البعض أن لغته تناسب ما بعد عصر سليمان؛ فإن كان قد كتبه فقد تسلمه كاتب آخر ليضع فيه بروح الله لمسات أخيرة. ويرى بعض الدارسين أن السفر هو دراسة مبنية على أقوال سليمان.
5. يرى بعض الدارسين أن الجو العام للسفر مختلف تمامًا عن الجو الذي يُحيط بسليمان الملك، فعهده كان متسمًا بالرخاء في فلسطين (1 مل 4: 25) بينما يفترض السفر وجود كوارث وطغيان وقهر (4: 1-3؛ 5: 8؛ 7: 10؛ 8: 9؛ 10: 6-7). لو أن سليمان قد علم بهذا الظلم في المملكة كما يذكر الكاتب لكان بالتأكيد قد رد الحق إلى نصابه.
بعض الدارسين الذين ينكرون نسبة السفر لسليمان الحكيم يعتبرونه من أسفار ما بعد السبي، لكنهم يتفقون في أن الشخصية المحورية للسفر هي سليمان الذي استخدمه الكاتب غير المعروف، والذي يُحتمل أن يكون من نسل داود الملوكي. وإن الكاتب لم يخدع أحدًا[10].
يعتقد بعض النقاد أن هذا السفر هو نتاج عدة كُتَّاب، وليس من عمل شخص واحد؛ ويظنون أن السفر يحوي بعض متناقضات أو آراء مختلفة لأكثر من شخص. ولعل سبب هذا أن السفر يتحدث أحيانًا عن الحكمة البشرية وأخرى عن الحكمة الإلهية. فالإنسان الطبيعي يظن باطلاً أنه يشبع بحكمته الخاصة ويفرح بها، بينما ينال الإنسان الروحي شبعًا بالحكمة السماوية. أيضًا أحيانًا يطلب الكاتب من الإنسان التمتع بالحياة، وأحيانًا أخرى يؤكد أن الحياة باطلة. هذا لأنه يسألنا أن نحيا في الله، وأن نزهد فيها خارج دائرة الله. وكأن الكاتب يقول: "هيا بنا إذن لنرى ما هي الحياة بدون الله، ماذا تكون؟ ماذا تنال إن عشت فقط من أجل الأشياء التي في هذا العالم؟ فإن الحياة وقتية وباطلة وبلا معنى، تُسبب إحباطًا وبؤسًا، لكن الله يستطيع أن يُغيِّرها!"[11].
في دراسة هذا السفر يلزم التمييز بين الحق المعلن عنه والوحي الإلهي وبين أفكار الإنسان الطبيعي، فقد سجل لنا بعض أفكار خاطئة للإنسان الطبيعي مثل موت النفس (9: 5-6). إذ لا يمكننا القول بأن هذا من تعليم كلمة الله، إنما هو تسجيل الوحي لأفكار الإنسان الطبيعي[12].
من هذا كله تظهر صعوبة تحديد تاريخ كتابة السفر، فإن كان الكاتب هو سليمان الحكيم في أواخر حياته يكون السفر قد كُتب حوالي عام 940 ق.م.، وإن كان قد سجلته يد أخرى فربما يكون ذلك حوالي سنة 200 ق.م.[13].
مفتاح السفر (الكلمات والعبارات الاسترشادية) :
? "باطل hebel": تكررت 37 مرّة. تؤكد أن العالم بدون الله هو باطل.
? "تحت الشمس": تكررت 29 مرة. يليق بنا إلاَّ نبقى تحت الشمس بل نرتفع فوقها، حيث نتحد بشمس البر فنوجد في ملكوته. هناك لا نحتاج إلى شمس مخلوقة، إذ يكون مسيحنا هو نورنا الأبدي (رؤ 22: 23)، يهبنا الاستنارة والدفء بروحه القدُّوس. في العالم "تحت الشمس" نُعاني من الفراغ والعبودية، أما في العالم "فوق الشمس" فننعم بالشبع والحرية. في العالم الأول يوجد نهار وليل فنُعاني من حرّ النهار كما من ظلمة الليل، أما في العالم الآخر فلا تضربنا شمس بالنهار ولا القمر بالليل (مز 21: 6)، كما لا تجد الظلمة لها موضعًا فينا.
"تحت الشمس" تُشير إلى الإنسان الذي ينحني تحت مرارة التجارب، أما المؤمن الحقيقي فيرفعه روح الله إلى فوق التجارب حتى تعبر من تحته، قائلاً مع مخلصه: "إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس".
v لقد كرّس هذا الحكيم السفر كله للتوضيح الكامل لهذا البطلان، ليس لهدف آخر سوى أن نشتاق إلى تلك الحياة حيث ليس فيها بطلان ما تحت الشمس وإنما يكون فيها صدق تحت ذاك الذي خلق الشمس[14].
القدِّيس أغسطينوس
? "تحت السماء": تكررت 3 مرات. حينما يكتشف المؤمن الحقيقي بطلان هذا العالم لا يطيق أن يبقى قلبه تحت السماء، متمرغًا في التراب. وإنما يجلس مع المسيح في السمويات (أف 2: 6)، بل ويصير هو نفسه سماء حيث يُقام ملكوت الله داخله (لو 7: 21).
? "على الأرض": تكررت 7 مرات. إن كانت الأرض تُشير إلى الجسد، فإنه يليق بالمؤمن إلاَّ يخضع لشهوات الجسد، بل خلال تقدِّيسه بكليته يعيش "على الجسد" أي فوق شهواته الزمنية. إن كان الجسد هو كعشب الحقل لذلك عندما أشبع السيِّد المسيح الجموع أجلسهم على العشب (مت 14: 19)، وكما يقول العلامة أوريجينوس إنهم ما كانوا يستطيعون نوال بركات السيِّد المسيح خلال تلاميذه لو لم يجلسوا أولاً على العشب، أي ترتفع نفوسهم فوق شهوات الجسد[15].
? "باطل الأباطيل": 3 مرات.
? "قبض الريح": 7 مرات. إذ يكتشف المؤمن أن العالم أشبه بالريح التي لا يمكن الإمساك بها، ويدرك أنه لا يهبه شبعًا حقيقيًا.
? "ناجيت قلبي": تكررت 7 مرات. ليس من أحد يجهل بطلان هذا العالم، لكن لكي نتحرر من قيوده ونتحد بالله خالقه يلزمنا أن نُناجي قلوبنا تحت قيادة الروح القدس واهب الحرية الحقيقية، الذي يرفعنا إلى الحياة السماوية في المسيح يسوع ربنا.
سمات السفر :
1. مجال هذا السفر وخطته هو الكشف عن بطلان كل الملذات الدنيوية، مظهرًا أن سعادة الإنسان لا تكمن في الحكمة الطبيعية والمعرفة، ولا في غنى العالم، ولا في الكرامة الباطلة ولا في القوة أو السلطة، ولا في مظاهر التدين الخارجي بل في الله نفسه وفي التعبد له بالروح والحق.
سفر الجامعة ككل هو أشبه بتعليق على كلمات السيِّد المسيح: "من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا" (يو 4: 13).
هدف السفر هو الكشف عن مدى تفاهة الحياة خارج دائرة محبة الله ونعمته. يُقدم سليمان الحكيم خبرته؛ فقد جرَّب كل ما هو تحت الشمس ليُشبع قلبه فوجد أنه لن يشبع حتى وإن امتلك العالم كله، فسيبقى القلب متسعًا جدًا ليس ما يملأه.
الخط الرئيسي للسفر هو هكذا:
? لا يمكن للتعب (العمل) ولا للغنى ولا للنجاح ولا للرخاء أن يرد للجنس البشري السعادة. الحكمة البشرية حتى بالنسبة للأتقياء لها حدودها؛ لا تقدر أن تكشف عن مقاصد الله العميقة وجوهر معنى وجود الإنسان (1-5: 13).
? الممتلكات الأرضية عوض أن تجلب السعادة تصير عائقًا لها وتنصب فخًا يدمِّر الحياة (5: 14، 6: 12).
? لا يعرف الإنسان ما هو لصالحه، إما بسبب الجهل أو عدم تفكيره في الحياة، وغالبًا لا يعمل ما هو الأفضل بالنسبة له (7: 1، 11: 10).
? الخلاصة أن الحياة التي لا تتمركز في الله تصبح بلا معنى ولا مغزى؛ بدونه ليس من شيء يُشبع؛ وبه تصبح الحياة وكل عطاياه الأخرى الصالحة هبات من عنده (يع 1: 7)، نستخدمها ونتمتع بها إلى أقصى حد. لهذا فمن الحداثة إلى سن الشيخوخة يوجد طريق واحد للسعادة آمن وهو: "اِتَّق الله واحفظ وصاياه" (12: 1-4).
2. هذا السفر في الواقع هو عظة مكتوبة، تحمل براهين كثيرة في شيء من التوسع، وتقدم إجابات عن مواضيع متنوعة، وفي نهايتها نجد تطبيقًا عمليًا. إنها عظة عملية نافعة عن التوبة.
3. هذا السفر ككل هو تفسير للَّّعنة التي سقطنا تحتها بسبب الخطية (تك 3: 7-19).
4. رفضه كل المجهودات البشرية لا يعني إلاَّ الاستعداد لقبول العمل الإلهي الجديد في حياتنا. يُريد الكاتب أن يُهيئنا لمواجهة عواصف هذه الحياة الوقتية، لا بإمكانياتنا الذاتية بل بالإيمان والثقة في الله.
الله لا يُريد أن يُحطم إمكانياتنا البشرية بل أن يُقدسها إن قبلنا عمله فينا، أما إن اتكلنا على ذواتنا في كبرياءٍ فكبرياؤنا هو الذي يُحطم حياتنا ويفسد كل إمكانياتنا.
إلى من يوجَّه هذا السفر؟[16] :
تكشف بعض العبارات مثل (11: 9-10؛ 12: 1-7) أن السفر كله بوجه عام موجّه إلى الشباب؛ وكما هو الحال في سفر الأمثال، نقصد بهم من هم في سن المراهقة حتى الخامسة والثلاثين.
قُدم هذا السفر أصلاً إلى الشعب اليهودي، لكن نظرته جامعية، تضم المسكونة كلها، ولا يهدف نحو شعب واحد معين. لقد كان سليمان الحكيم معروفًا في العالم القديم، وكانت كتاباته تُقرأ في كل الدوائر الثقافية.
توجد عبارات قليلة جدًا تحمل نكهة خفيفة يهودية متميزة، لكنه ككل تنبعث منه رائحة الفكر المسكوني، وينطق بلغة الخبرة البشرية التي يمكن لكل البشر أن يتفهمها.
علاقته بسفريْ الأمثال ونشيد الأناشيد :
1. كُتب سفر نشيد الأناشيد حين كان قلب سليمان الحكيم في قمة انفتاحه على الحب الإلهي، وكُتب سفر الأمثال حين كان الملك في عظمة مجده وحكمته قبل أن يخطئ؛ أما سفر الجامعة فكتبه مؤخرًا حين تقدم في السن كشهادة حيَّة وعملية عن عمق توبته الصادقة. فنجد هنا اختباره الشخصي عبر سنين طويلة، محدثًا إيَّانا بلغة الحكمة والأيام.
2. يرى القدِّيس بفنوتيوس أن هذه الكتب الثلاثة تُطابق أنواع النسك الثلاثة[17]، كما تطابق دعوة الله لأبينا إبراهيم بالتخلي عن كل شيء لاقتنائه هو شخصيًا:
أ. سفر الأمثال يُشير إلى نسك الجسد وزهده عن الملذات والخطايا الجسدية، وهو يطابق الدعوة الموجهة لإبراهيم: "اترك أرضك".
ب. يُشير سفر الجامعة إلى زهد العادات الزمنية بكون العالم كله باطل، وفي هذا يطابق الدعوة: "اترك عشيرتك".
ج. يُشير سفر نشيد الأناشيد إلى تحرر النفس باتحادنا مع العريس السماوي كلمة الله بالتأمل في السمويات، وهي تطابق الدعوة: "اترك بيت أبيك"... لقبول أب سماوي أبدي.
هذه الدرجات الثلاثة التي تُمثلها الأسفار الثلاثة، تحقق دعوة السيِّد المسيح للنفس البشرية: "اِنسي شعبك وبيت أبيك لأن العريس اشتهى حُسنِك، وله تسجدين" (مز 45).
يوضح القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص كيف يرتفع سليمان الحكيم بالنفس المؤمنة خلال هذه الأسفار الثلاثة لتتنقى في طريق الحب الإلهي، حيث ترفض الزمنيات المنظورة، لتتمتع بعريسها السماوي في المقادس الإلهية.
v يُضيف سليمان فلسفة (حكمة) سفر الجامعة إلى ذاك الذي تدرب بما فيه الكفاية على اشتهاء الفضيلة خلال "الأمثال". بعد أن يُندد بتمسك البشر بالمظاهر الخارجية في هذا السفر، وبعدما يعلن أن كل ما هو غير ثابت إنما هو باطل وعابر، وإن كل ما يعبر هو باطل (11:
.
يرتفع سليمان فوق كل ما يمكن إدراكه بالحواس، وذلك بحركة الحب التي لنفوسنا متجهة نحو الجمال غير المنظور. بهذا يتنقى القلب من كل أمور خارجية ليدخل بالنفس إلى المقدس الإلهي بواسطة نشيد الأناشيد[18].
القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص
3. يرى القدِّيس أمبروسيوس أن هذه الأسفار الثلاثة تُشير إلى أنواع التفسير الثلاثة: التفسير الطبيعي أو التاريخي أو الحرفي، والتفسير الأخلاقي أو السلوكي، والتفسير الرمزي أو الروحي. فسفر الجامعة يُشير إلى النوع الأول، والأمثال الثاني، نشيد الأناشيد الثالث.
v إنك تجد نفس الشيء في سليمان؛ فالأمثال أخلاقي، والجامعة الذي يحتقر كل أباطيل العالم سفر طبيعي، وكتاب نشيد الأناشيد سرّي[19].
القدِّيس أمبروسيوس
اللاهوت في سفر الجامعة[20] :
مادام السفر يهدف إلى رد كل نفس إلى حضن الله لاختبار الحياة الجديدة الخالدة عوض الارتباك بملذات الحياة الحاضرة وآلامها، لهذا جاء هذا السفر يحتوي على مجموعات غير مترابطة تكشف عن علاقتنا بالله والعالم وفهمنا للحياة الحاضرة والإنسان والحكمة.
أولاً: الله في سفر الجامعة[21] :
القراءة السريعة للسفر تدفعنا للقول إن غاية السفر هو الكشف عن بطلان الحياة الزمنية بكونها حياة قصيرة وعابرة تنتهي بالموت، يشترك في هذا الحكيم والجاهل؛ الإنسان والحيوان. لكن من يُقرأ ما وراء السطور يدرك غاية الكاتب الحقيقية وهو ليس نفورنا من هذه الحياة بمباهجها وآلامها وإنما التعلق بالله خالق العالم ومدبر أموره الكبيرة والصغيرة.
ذُكر اِسم الله هنا 41 مرة مستخدمًا تعبير "الوهيم" الخاص بلقبه كخالق... وكأن الكاتب يود أن يوجه أنظار القارئ إلى الله كخالق عوض الانشغال بخليقته، أو ليؤكد أنه الخالق لعالم صالح ونافع أفسده الإنسان بانحراف فكره.
1. الله الخالق:
إن كانت الخليقة مبهجة، تجلب لذة ومتعة، فماذا يكون الخالق الذي جلب لنا الأمور المنظورة وغير المنظورة، خلق من أجلنا العالم الخارجي كما خلقنا نحن أنفسنا؟!
"كما أنك لست تعلم ما هو طريق الريح، ولا كيف العظام في بطن الحبلى، كذلك لا تعلم أعمال الله الذي يصنع الجميع" (11: 5). من أجلي خلق كل العالم حتى الرياح كما خلق عظامي وأنا في الأحشاء. لا أعرف كل أسرار الطبيعة التي أوجدها لحسابي، ولا حتى كيف تكونت عظامي وأنا جنين، إنما أعرف أنه صانع الجميع، فكيف ارتبط بالخليقة لا بخالقها؟! لهذا ينصحني الجامعة: "فاذكر خالقك في أيام شبابك" (12: 1).
2. الله الكلِّي القدرة:
ارتباطي بالله لا يقوم على علاقتي به كمخلوق مدين له، إذ خلقني وخلق كل شيء لأجلي وإنما هو "الخالق القدير". يعجز ذهني عن إدراك قدرته، إذ يقول الجامعة: "رأيت كل عمل الله أن الإنسان لا يستطيع أن يجد العمل الذي عُمل تحت الشمس، مهما تعب الإنسان في الطلب فلا يجده والحكيم أيضًا..." (8: 17).
أمام قدرته الفائقة أشعر بالعجز وعدم إمكانية التعرف على تدابيره لحسابي، إنما أؤمن أنه يصنع كل شيء حسنًا لأجلي: "صنع الكل حسنًا في وقته، وأيضًا جعل الأبدية في قلوبهم التي بلاها لا يدرك الإنسان العمل الذي يعمله الله من البداية إلى النهاية" (3: 11).
3. الله ضابط الكل:
في قدرته الفائقة يصنع كل شيء حسنًا في وقته لحسابي، ولا يفلت شيء من يده، فهو ضابط الكل، أعماله كاملة حتى وإن كنا لا ندركها... كضابط الكل يقدر وحده أن يُصلح فساد طبيعتي واعوجاجها: "أُنظر عمل الله لأنه من يقدر على تقويم ما قد عوَّجه؟!" (7: 13). "لأن هذا كله جعلته في قلبي، وامتحنت هذا كله أن الصديقين والحكماء وأعمالهم في يدّ الله" (9: 1).
4. الله كلِّيْ الحكمة:
كضابط الكل في يده حياتنا بكل دقائقها، وبحكمته يدبرها، فهو العارف الماضي (3: 15)، والمستقبل (6: 12)، ويدبر كل الأمور حسنًا (2: 11، 14).
5. الله المعطي:
الله كخالق قدير وأب محب لا يكف عن العطاء، يُقدم لنا الآتي:
? يهبنا الحياة (8: 15)، وهو الذي يأخذ الروح (12: 7).
? واهب الغنى والسلطة (5: 19).
? معطي الفرح (5: 19).
يرى الجامعة أن كل ما في الحياة حتى إمكانية الإنسان أن يأكل ويشرب ويتعب هذا كله من يد الله (2: 24).
6. الله القدُّوس:
الله لا يبخل على الإنسان بشيء، وهو في هذا لا يطلب منه شيئًا بل أن يحمل سمة القداسة، فيكون مقدسًا كما هو قدُّوس. إنه لا يطلب ذبيحة الجهال بل طاعة الحكيم المملوء حبًا.
"احفظ قدمك حين تذهب إلى بيت الله، فالاستماع أقرب من تقديم ذبيحة الجهال، لأنهم لا يبالون بفعل الشر" (5: 1).
"فلنسمع ختام الأمر كله: "اِتَّق الله واحفظ وصاياه، لأن هذا هو الإنسان كله" (12: 13).
7. الله المهتم بالإنسان:
في رقة مشاعر الجامعة لم يحتمل دموع المظلومين (4: 1)، فغبَط الأموات لأنهم لا يعاينون الظلم، بل وحسب الذين لم يولدوا أكثر سعادة. هذا لا يعني أن الأمور تسير في العالم بلا ضابط، إنما يهتم الله بالبشر، خاصة الأبرار والحكماء (9: 1). يسمح لهم بالتجارب (1: 13)، لكنه وإن كان لا يُحاكم الأشرار الظالمين سريعًا إلاَّ أنه يُحوّل المتاعب لخير خائفيه (8: 12-13). الله يُنجي الصالح من الأشراك (7: 26).
8. الله الديان:
الله هو الديان، يُدين الصدِّيق والشرير (3: 17). يُدين كل أعمال الشر (11: 9). إنه يدعونا يومًا ما للحساب، فنقدم إجابة عن كل أعمالنا. على ضوء هذه الحقيقة يلزمنا أن نعيش. "لأن الله يُحضر كل عمل إلى الدينونة، على كل خفي، إن كان خيرًا أو شرًا" (12: 14).
ثانيًا: العالم في سفر الجامعة :
"باطل الأباطيل الكل باطل" (1: 2)؛ هذا هو العالم بدون الله؛ أما بالله فحتى الأكل والشرب بل والتعب فيه خير للإنسان (2: 24). يتمتع الصالح في هذا العالم بالحكمة والمعرفة والفرح (2: 26).
ثالثًا: الحياة في سفر الجامعة :
مادام كل ما في الحياة حتى الأكل والشرب وغيرهما هو عطية الله ومن يده، لذا يليق بنا أن نقبل الحياة البسيطة المعتمدة على الله بكونها الحكمة الحقيقية. لنتعب ونجد في تعبنا خيرًا وفرحًا (2: 24).
لنطلب الحكمة لا محبة الغنى، فإن "ولدٌ فقير وحكيم خير من ملك شيخ جاهل" (4: 13).
لنعمل أيضًا بروح الجماعة فإن: "اثنان خير من واحد، لأن لهما أجرة لتعبهما صالحة... والخيط المثلوث لا ينقطع سريعًا" (4: 9، 12).
بالله يصير كل شيء نافعًا، فلا نقف في سلبيةٍ، بل نُجاهد بكل طاقتنا للانتفاع بعطايا الله لنا: "كل ما تجده يدك لتفعله فافعله بقوتك" (9: 10).
يرى الجامعة عطايا الله كثيرة نذكر منها على سبيل المثال:
1. الحكمة: "رأيت أن للحكمة منفعة أكثر من الجهل، كما أن للنور منفعة أكثر من الظلمة" (2: 13)؛ "الحكمة صالحة مثل الميراث" (7: 11)؛ "الحكمة خير من أدوات الحرب" (9: 18)؛ "الحكمة خير من القوة" (9: 16).
2. السمعة الطيبة: "الصيت خير من الدهن الطيب" (7: 1).
3. طول الأناة: "طول الروح خير من تكبر الروح" (7:
.
4. الزواج: "التذ عيشًا مع المرأة التي أحببتها كل أيام حياة باطلك التي أعطاك إيَّاها تحت الشمس" (9: 9).
5. المغامرة الروحية والعطاء: "اِرم خبزك على وجه المياه فإنك تجده بعد أيام كثيرة" (11: 1).
6. الانتفاع بنور الشمس: "النور حلو وخير للعينين أن تنظرا الشمس" (11: 7).
7. الانتفاع بالحداثة والشباب: "اِفرح أيها الشاب في حداثتك، وليُسرّك قلبك في أيام شبابك، واِسلك في طرق قلبك..." (11: 9).
أما إن فقدت الحياة معناها باعتزال الله فلا ينتفع الإنسان بشيء، بل يصير كل شيء باطلاً، مثل التعب والجهاد (1: 3-11)؛ الحكمة البشرية والمعرفة الزمنية 1: 13-18)؛ الضحك (2: 2)، الملذات الجسدية (2: 2)، الغنى والكرامة (2: 4-11)، الظلم والأنانية (4: 1-4)، التراخي والكسل (4: 5)، السلطة (4: 13؛ 9: 17)، شكليات العبادة الحرفية (5: 1 الخ...)
رابعًا: الإنسان في سفر الجامعة[22]:
كسائر الكتابات الحكيمة يُعالج سفر الجامعة أولاً وقبل كل شيء الحياة البشرية ومشاكلها.
1. خلق الله الإنسان مستقيمًا (7: 29)، مقدمًا له الكثير لكي يشبع وتفرح أعماقه (5: 18 الخ)، وينعم عليه بالحياة المقدسة. لهذا يوصيه الجامعة أن يخفْ الله ويحفظ وصاياه، قائلاً: "لأن هذا هو الإنسان كله" (12: 13).
2. مع هذا فالإنسان خاطئ (7: 20)، فقد الكرامة التي خلقه الله عليها (3: 11)، وصار يجهل خطة الله نحوه وعمله معه (8: 17)، وصارت الحكمة بعيدة عنه (7: 23)، فهو على حال غير ما يريده الله له (7: 27-29).
3. يوجد الآن "الصدِّيق والشرير"، "الصالح والطالح"، "الطاهر والدنس" (9: 2). هذا أمر نسبي "لأنه لا إنسان صدِّيق في الأرض يعمل صلاحًا ولا يخطئ" (7: 20).
4. أما من جهة النظام الاجتماعي فيوجد ملوك (رؤساء) وعبيد (10: 16)، ظالمون ومظلومون [4: 1؛ 5: 7)؛ أغنياء وطبقة كادحة (5: 11). على أي الأحوال الحكمة ليست إرثًا للأغنياء (4: 13؛ 9: 15). العمل (10: 18) والمشاركة (4: 9-12) أمران هامان.
الخضوع في بعض الأحيان هو أفضل من مواجهة الحكام الطغاة (10: 4-7).
بالنسبة للسعادة يقتنع البعض بنصيبهم (15: 18)، غير أن الآخرين يلازمهم التبرم (5: 9)، لأن رغباتهم طموحة جدًا (1: 13؛ 2: 1-3؛ 3: 11)، لهذا يغلبهم الإحساس بالإحباط[23].
5. يُذكرنا السفر بحقيقة ثابتة لا يجب أن ننساها وهي أننا سنموت يومًا ما، وإن كل أحد سيُقدم حسابًا عن أعماله. هذا يحثنا بقوة لاستغلال الفرص الحاضرة (اُنظر 2: 14-16؛ 3: 17-21؛ 5: 15-16؛ 6: 12؛ 8: 7-8؛ 9: 2-6، 12: 1-7)[24].
خامسًا: الحكمة في سفر الجامعة :
تكررت كلمة "حكمة hokma" و"حكيم hakam" 44 مرة في هذا السفر. الحكمة تخص الله وحده، وهو يهبها لبني البشر (2: 26). ولئلاَّ نظن أنها مجرد أمور عقلانية لذلك يقدم لنا أمثلة كيف تُفهم الحكمة العملية (8: 2-6، 10: 1-11؛ 11: 6). وقد جاء تحذير الجامعة النهائي يؤكد أن الحياة ليست معرفة مجردة لكنها عمل (12: 12-14)[25].
وهناك علاقة وثيقة بين الحكمة والسعادة، فالحكمة تنير وجه الإنسان وتغير طبيعته الصلبة والجافة إلى الحب والحنو (8: 1). إنها تُحيي صاحبها (7: 12).
الإطار العام :
1. مقدمة [1-4].
2. موضوع السفر: بطلان العالم [1: 2].
3. البراهين على بطلان العالم
أ. شهادة الطبيعة [1: 3-11].
ب. السعي وراء الحكمة البشرية باطل [1: 12-18].
ج. السعي وراء الملذات الحسِّية باطل [2: 1-3].
د. السعي وراء الغنى والجاه باطل [2: 4-26].
هـ. شهادة العالم [3].
و. شهادة المجتمع [3].
4. التطبيق العملي
أ. الحب العملي أفضل من شكليات العبادة [5].
ب. الحياة السعيدة أفضل من الجمع [6].
ج. الحكمة العملية والحياة الأبدية [7].
د. الحكمة العملية والسلوك الهادف [8].
هـ. الحكمة العملية هبة إلهية [9].
و. الحذر حتى من الصغائر [10].
ز. الجهاد المملوء حبًا [11].
ح. الجهاد المبكر [12: 1-7].
5. الخلاصة: يمكن التغلب على البطلان [12: 8-14].
الباب الأول
براهين بطلان العالم خارج الله
1. شهادة الطبيعة .
2. بطلان مباهج العالم (خبرته الشخصية) .
3. شهادة العالم .
4. شهادة المجتمع .
بطلان العالميوجه الجامعة حديثه إلى كل إنسان مؤكدًا له بطلان العالم وكل ما فيه، لا بنظرة تشاؤمية مُرّة، وإنما بغية استخدام كل ما هو حولنا كعطية إلهية مؤقتة، قُدمت لنا لا لاكتنازها بروح الطمع، ولا لاقتنائها بروح الظلم، وإنما لكي نشترك فيها مع الغير بروح الصداقة والحب. كل ما هو حولنا جميل وحسن إن استخدمناه في وقته حسب خطة الله ومقاصده الإلهية، أما إن فسدت قلوبنا وأفكارنا فيصير الكل باطلاً!
إذ يتحدث الجامعة مع البشرية بوجه عام استخدم براهينه من واقع الطبيعة ذاتها بكونها لغة كل البشر يقرأها الجميع [1]، ثم يُقدم خبرته الشخصية في سعيه وراء مباهج العالم [2]، ويقدم شهادة العالم نفسه موضحًا أنه ليس شيء صالحًا في ذاته بل لكل شيء زمان، وأخيرًا يُقدم شهادة المجتمع حيث احتل الظلم موضع العدل في المجتمعات بصفة عامة [4].
الأصحاح الأول شهادة الطبيعةإذ يوجه الكاتب حديثه إلى كل إنسان تحت الشمس يُقدم براهين لا تقوم على وعود إلهية، يعرفها شعب دون غيره، وإنما يستخدم الطبيعة كلغة جامعية يقرأها الجميع.
1. كاتب السفر [1].
2. موضوع السفر [2-3].
3. شهادة الطبيعة [4-11].
أ. قصر الحياة البشرية [4].
ب. تغيُّر طبيعة كل الكائنات [5-7].
ج. عدم الشبع [8].
د. ليس من جديد في الخليقة [9-10].
هـ. النسيان سمة كل العصور [11].
4. بطلان الحكمة البشرية [12-18].
1. كاتب السفر :
"كلام الجامعة (كوهيليث) ابن داود الملك في أورشليم [1].
أنه سليمان؛ وإن كان لم يعرِّف نفسه بالاسم، لكنه هو ابن داود، الملك في أورشليم، الذي بسبب غناه وحكمته واهتمامه على مستوى العالم في ذلك الحين صارت له فرصة كبيرة لاختبار الحياة الزمنية، وتقديم هذه الخبرة لكل البشرية. ويلاحظ هنا[1]:
أ. أخفى اسمه "سليمان"، والذي يعني "سلامًا"، لأن الخطية قد حطمت سلامه الداخلي، وجلبت المتاعب لنفسه ولمملكته، كما حطمت سلامه مع الله، فلم يعد يستحق هذا الاسم. كأنه يقول: "لا تدعوني رجل سلام بل دعوني مُرًا" (را 1: 20).
ب. دعي نفسه "الجامعة"، لأن الله قد جمعه خلال التوبة إلى قطيعه المقدَّس بعد انحرافه كخروف ضال، الآن يرده عن التيه إلى الكنيسة المقدسة خلال المصالحة مع الله. أو لأنه يُقدم خبرته وحكمته العملية للبشرية، كي يرجع الكل إلى الكنيسة الجامعة. أما استخدامه "التأنيث" [الجامعة]، فربما توبيخًا لنفسه إذ تعلق بنساء غريبات، وبسببهن انحرف إلى العبادة الوثنية.
ج. يذكر أبوّة داود له لتوبيخ نفسه. أنه ابن ذاك القدِّيس العظيم صاحب المزامير قد تاه وانحرف. وربما أيضًا ليبعث في نفسه الرجاء، فقد سقط أبوه داود وقام، وبقيامه من الخطية حث الكثيرين على التوبة.
د. "الملك في أورشليم"، فقد أخطأ في حق الله الذي أقامه ملكًا، ولم يدعه معوزًا شيئًا. ومما يُضاعف خطيته أنه ملك على مدينة الله المقدسة أورشليم.
2. موضوع السفر :
"باطل الأباطيل قال الجامعة.
باطل الأباطيل الكل باطل.
ما الفائدة للإنسان من كل تعبه الذي يتعبه تحت الشمس؟" [2-3].
كلمة "باطل" في العبرية hebel معناها أساسًا "نسمة" (إش 57: 13) أو "بخار"، كأن العالم كله خارج الله يشبه نسمة تخرج من أنف الإنسان أو بخارًا يخرج من فمه في يوم بارد، لا يعود يقتنيه أو ينشغل به، لأنه سرعان ما يتبدد في الهواء.
أنه يعني بكلمة باطل أن العالم زمني عابر وأنه بلا جدوى على المدى الأبدي. هنا لا يُقدم لنا راهب متوحد خبرته وأفكاره، وإنما ملك غني ذو جاه وله خبرات في كل جوانب الحياة في ذلك الوقت... حديث واقعي وعملي.
لقد أكد الكاتب في أكثر من موضع أن كل ما في العالم هو صالح ونافع بكونه عطية الله، لكن إساءة الإنسان استخدامه جعله باطلاً، إذ صار الذهن نفسه باطلاً" (أف 4: 17).
أنه لا يدفعنا إلى روح اليأس، لكنه يُطالبنا ألاَّ تُمتص أفكارنا في الأرضيات والزمنيات، وإلاَّ تكون هدفًا لنا في عبادتنا. بعبارة أخرى، الحياة من جميع جوانبها لا معنى لها ولا فائدة منها، سطحية وفانية، ما لم ترتبط بالله بحق، عندئذ فقط إذ تستند على الله وعلى كلمته تكون ذات قيمة.
v لماذا أنت مقيد بمحبة الأمور الوقتية؟
لماذا تجرى وراء الأمور التي لها المكانة الأخيرة، كأن لها الأولوية مع أنها باطلة وأكذوبة؟ فإنك تُريدها أن تقطن معك وهي عابرة كالظل[2].
القدِّيس أغسطينوس
v يدعو كل ما نراه ونصارع لأجله كحقيقة منظورة "باطلاً".
ما هو باطل ينقصه "الجوهر"، وما ينقصه "الجوهر" لا يحمل قوة![3].
القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص
v "باطل الأباطيل، الكل باطل". لنذهب إلى المقابر، أرني أباك، أرني زوجتك، أين ذاك الذي كان يرتدي ثيابًا مذّهبة؟ ذاك الذي كان يركب المركبة؟ ذاك الذي كانت له جيوش، والذي كانت له منطقة؟ وكان له مذيعون؟ ذاك الذي قتل هؤلاء وألقى بأولئك في السجن؟ الذي كان يميت من يشاء ويعفو عمن يشاء؟ إنني لست أرى إلاَّ عظامًا ودودًا وأنسجة عنكبوت، هذه كلها تراب ووهن وحلم وظل وعلاقة مجردة (واهية) وصورة، بل ولا تصل إلى صورة[4].
القدِّيس يوحنا الذهبي الفم
أما غاية تأكيد بطلان هذا العالم فهو تدريب القلب لا على كراهية العالم بل بالأحرى على حب السماء والتمتع بالله الكلمة بكونه الأبدي المشبع للنفس:
v "الكل باطل، قال الجامعة"، كل ما في هذا العالم. لهذا من يرغب في الخلاص فليرتفع فوق العالم، وليطلب "الكلمة" الذي مع الله، هاربًا من هذا العالم، وتاركًا الأرض. فإنه لا يستطيع أحد أن يدرك ما هو موجود دائمًا، ما لم يهرب أولاً من هنا. لهذا السبب أيضًا إذ أراد الرب الاقتراب من الله الآب (وهو واحد معه) قال لتلاميذه: "قوموا، ننطلق من ههنا" (يو 14: 31)[5].
القدِّيس أمبروسيوس
v [على لسان السيِّد المسيح، كلمة الله المشبع للنفس]
أنا أبوك، وأخوك، وعريسك، ومنزلك، وثوبك، ومصدرك، وأساسك.
أنا كل ما تشتاق إليه؛ فلا تعتاز إلى شيء.
سأكون خادمك، فقد جئت لكي أخدِم، لا لكي أُخدَم.
أنا صديقك، عضو لك، رأسك، أخوك، أختك، أمك، وكل شيء بالنسبة لك... فقط كن صديقًا ليّ...
ماذا تطلب بعد؟
لماذا تصدّ ذاك الذي يُحبك؟
لماذا تتعب من أجل هذا العالم؟
لماذا تسحب ماءً بإناء راشح، لأن هكذا هو التعب من أجل الحياة الحاضرة؟
لماذا تغزل صوفًا في النار؟
لماذا تُصارع مع الهواء؟
لماذا تركض باطلاً؟
أليس لكل فن غاية؟ هذا واضح للكل؛ أما أنت فبلا هدف. باطل الأباطيل الكل باطل[6].
v لنصدقه ولنتمسك بالأمور التي ليس فيها ما هو باطل، بل ما هو حق؛ ما يتأسس على صخرة صلدة، وحيث لا توجد شيخوخة ولا انحراف، بل يكون كل شيء مزهرًا ومنتعشًا دون فساد أو قِدَم أو انحلال.
أسألكم أن نحب الله بعاطفة صادقة، ليس خوفًا من الجحيم، وإنما رغبة في الملكوت.
ماذا يمكن مقارنته برؤية المسيح؟ بالتأكيد لا شيء!
أية متعة ننالها من هذه الأمور الصالحة؟... "ما لم ترهَ عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على بال إنسان ما أعدّه الله للذين يحبونه" (1 كو 2: 9)[7].
القدِّيس يوحنا الذهبي الفم
v ليس من صار رفيق الملائكة واستأنس بأسرارهم ولم يرذل رفقة العالم.
v إن تركت مقتنياتك من أجله، تقتنيه في نفسك إلى الأبد[8].
ما أشهى رحيل محبيك إليك أيُها الطبيب، وما أصعب خروج محبي العالم منه، لأن أولئك لميراثهم ينتقلون، وهؤلاء عن الذي لهم يرحلون[9].
v من هو هذا الذي ذاق حلاوة ثمار شجرة الحياة ويُريد أن يجرى نحو ثمار العالم النتنة؟![10].
القدِّيس يوحنا سابا
السؤال الذي أثاره الكثيرون: لماذا يُدعى العالم باطلاً وهو من صُنع الله كلّيْ الصلاح؟ بمعنى آخر: هل يخلق الله الصالح أمرًا بلا نفع؟
يرى الله أن كل ما خلقه "حسن" أو "صالح" (تك 1: 10، 12، 18، 31)؛ لكن الإنسان وقد فسد ذهنه وطبيعته وبصيرته الداخلية أساء النظرة إلى العالم كما أساء استخدامه له، فصار العالم باطلاً. العالم الذي هو من صنع الله صالح، خُلق لأجل الإنسان ليعمل فيه ويبتهج... أما وقد تحطم الإنسان في طبيعته لم يعد يُحقق العالم غايته كخادم له.
v إن كانت (الخليقة) هي أعمال الله، فكيف تكون باطلة؟ إن النزاع في هذا الأمر كبير. ولكن اسمعوا أيها المحبوبين؛ ليست أعمال الله هي التي ندعوها باطلة، حاشا لله! السماء ليست باطلة؛ الأرض ليست باطلة، حاشا! ولا الشمس ولا القمر ولا الكواكب، ولا أجسادنا. كلا! فإن هذه جميعها حسنة جدًا (تك 1: 31).
إذن، ما هو الباطل؟ لنسمع الجامعة نفسه، إذ يقول: "غرست لنفسي كرومًا، اتخذت لنفسي مغنين ومغنيات، عملت لنفسي برك مياه، وكانت ليّ قنية بقر وغنم، جمعت لنفسي أيضًا فضة وذهبًا، فرأيت هذه كلها باطلة" (راجع جا 2: 4-
. كما يقول: "باطل الأباطيل الكل باطل" (12:
. اسمع أيضًا ما يقوله النبي: "يذخر ذخائر ولا يدري من يضُمها" (مز 39: 6). مثل هذا باطل، مبانيك الفاخرة، وغناك الزائد جدًا وقطيع العبيد الذي يتدافع في الميدان العام، مجدك الباطل وأُبهتك، أفكارك المتشامخة، وتفاخرك؛ هذه كلها باطلة، فأنها ليست من يدّ الله إنما هي من عملك. ولماذا هي باطلة؟ لأنه ليس لها غاية نافعة[11].
القدِّيس يوحنا الذهبي الفم
يُحدثنا القدِّيس يوحنا الذهبي الفم في مقاله: "لا يقدر أحد أن يؤذي إنسانا ما لم يُؤذِ الإنسان نفسه" عن مفهوم الصلاح في شيء من التوسع، موضحًا أن العالم بكل ما فيه ليس صالحًا في ذاته ولا شريرًا، إنما استخدام الإنسان له يُحوله إلى الصلاح أو الشر. فمن يستخدم المال في الشر، يكون بالنسبة له شرًا، ومن يسند به إخوته المحتاجين يكون بالنسبة له بركة الخ...
أخيرًا يرى القدِّيس أغسطينوس أنه يليق بالمؤمن أن ينقل ممتلكاته الزمنية إلى الحياة الحقة خلال الصدقة، إذ يقول: [يلزم التمسك بالحياة الحقة، فننقل غنانا إلى موضع الحياة الحقة، فنجد هناك ما قدمناه هنا. أنه (الله) يُتمم هذا التحويل لممتلكاتنا ذاك الذي صنع التحول لنفوسنا[12]]. السيِّد المسيح الذي أجلسنا في السمويات ينقل مالنا إلى السماء!
إن كان الإنسان بفساد طبيعته وذهنه وبصيرته الداخلية جعل العالم باطلاً، لكن يبقى الإنسان في عينيّ الله أثمن من العالم كله! "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟!" (مت 16: 26). فقد خلق الله العالم لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل العالم. لهذا يليق بالإنسان في جهاده وتعبه سواء في حياته الخاصة أو الأسرية أو العمل أو في عبادته ألاَّ يحوّل نظره عن حياته الداخلية وشبعها بالله نفسه. لهذا يُحذرنا الجامعة من كل جهاد يفقد الإنسان فيه غايته، قائلاً: "ما الفائدة للإنسان من كل تعبه الذي يتعبه تحت الشمس؟!" [3]. تعبنا في حياتنا اليومية وفي عبادتنا لن يقدر أن يُشبع النفس، ويكفّر عن خطيتها، ويشفي جراحاتها، ويُقدسها، ما لم نتكئ على صدر المخلص بالإيمان العملي ونطلب عمل روحه القدُّوس فينا.
v يُحسب بر الإنسان كلا شيء. عمل البشر، ما هو؟ تعبه كله باطل.
منك يارب، وبنعمتك تصير طبيعتنا صالحة. منك البر؛ فنصير نحن البشر أبرارًا. منك الرحمة والنعمة. فنتحول من التراب إلى صورتك.
أعطِ قوة لإرادتنا فلا نغرق في الخطية[13].
القدِّيس مار أفرام السرياني
مادمنا "تحت الشمس"، نخضع للتجارب ونُعاني من حرارتها (مت 20: 12). ولن ننتفع شيئًا من كل تعبنا، أما إن قبلنا شمس البر فينا فيحملنا فوق كل تجربة شريرة، ولا يقدر لهيب الشهوات أن يمس أعماقنا الداخلية. يحملنا شمس البر بروحه القدُّوس لتنعم النفس بعربون المجد الأبدي، فنقول: "أجلَسنا معه في السمويات" (أف 2: 6).
v يُشير بالتعب هنا [3] إلى حياة الجسد التي لا تطلب منافع في أي عمل صالح. إنها تقول: "ما الفائدة للإنسان؟"، أي ماذا تجتني النفس من كل تعب الحياة، وذلك في حياة الذين يعيشون فقط من أجل الكماليَّات[14].
القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص
3. شهادة الطبيعة :
يُقدم الجامعة أمثلة واقعية من الطبيعة تؤكد قصر الحياة الزمنية، وطبيعتها المتغيرة، وعجزها عن إشباع القلب، أنه ليس من أمر جديد بحق في الحياة بالرغم من التقدم والتطور، وأخيرًا فإن ما يناله الإنسان حتى من كرامة أو شهوة يُمحيه الزمن بالنسيان.
أ. قصر الحياة البشرية:
"دور يمضي ودور يجيء والأرض قائمة إلى الأبد" [4].
يُظهر الجامعة أن فترة استمتاعنا بالأمور الأرضية قصيرة للغاية. فأنه إن كانت الأرض قد خُلقت لأجل الإنسان ولراحته، لكن يعيش الإنسان في جيل ينتهي معه ليحل محله جيل آخر، والأرض باقية حتى انقضاء الدهر.
v يبقى المائت مائتًا سواء كُرِّم أو لم يكرَّم... يقول الجامعة الحكيم: "الأرض قائمة إلى الأبد"، تخدم كل جيل، الجيل الأول فالتالي الذي يولد بعده عليها؛ أما البشر... فأنهم يأتون إلى الحياة بإرادة خالقهم دون أن يعرفوها، ويؤخذون منها قبلما يشتهون ذلك. ومع هذا بالرغم من هذا البطلان الشديد يظنون أنهم سادة الأرض[15].
القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص
ب. تغيُّر طبيعة كل الكائنات:
كل ما في العالم يتغير؛ فالشمس تشرق وتغرب ثم تعود فتشرق... وهكذا لا تتوقف الحركة. يتغير وضع الأرض بالنسبة للشمس فيحدث الشروق والغروب، الأمر الذي يتكرر يوميًا.
هكذا أيضًا الرياح تتحرك في مدارات معينة؛ وأيضًا المياه تتحرك إذ تتبخر فتصير سُحبا، ثم مطرًا، فأنهارًا وتعود إلى البحار والمحيطات لتتبخر من جديد!
تطلعنا إلى الطبيعة وما تحويه من تغيرات تمس كل الكائنات يكشف لنا عن طبيعة العالم أنه غير مستقر بل هو دائم التغيُّر، وبالتالي لن يبقى إلى الأبد. وكأنه لا يليق بالإنسان الذي يحمل في داخله شوقًا طبيعيًا نحو الخلود أن يرتبط بما هو متغير وفانٍ.
وربما أراد الكاتب أن يوضح بأن الإنسان الذي من أجله تتحرك الطبيعة أمامه، الكائنات كالكواكب والرياح والسحب، وهو في عجز؛ ماذا في يده؟!
ولعله أيضًا أراد أن يعلن بأن الطبيعة نفسها تتغير فالشروق يتبعه غروب فشروق الخ... بينما يعجز الإنسان عن التحرك، يولد ثم يموت ولا يقوم بعد على ذات الأرض! ما أعظم الإنسان الذي لأجله وُجد هذا الكون بكل قدراته وقوانينه المعروفة والخفية، وما أضعفه فأنه يصعب عليه أن يُغيّر حتى طبيعته الداخلية؟! عظيم هو الإنسان بالله الذي يهبه كل شيء، وضعيف للغاية في ذاته وحده!
v نرى في الشمس رمزًا لشروق طبيعتنا وغروبها. يوجد طريق واحد للجميع، توجد دائرة واحدة للكل في رحلة الحياة. بالميلاد نشرق، ثم ننحدر ثانية إلى مكاننا الطبيعي. وعندما نبلغ إلى غروب الحياة، ينحدر نورنا إلى أسفل الأرض... ما هو من الأرض يذوب بالكامل في عنصرها، وتستمر الدائرة في طريقها مرة ومرات[16].
القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص
ج. عدم الشبع:
"كل الكلام يقصر.
لا يستطيع الإنسان أن يخبر بالكل.
العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع" [8].
هل يمكننا أن نتوقع الشبع لنفس على صورة الله بأمور زمنية فانية ومملوءة تعبًا؟! فإن الطبيعة بكل إمكانياتها لا تقدر أن تُشبع حتى الحواس من نظر أو سمع أو شم، فكيف يمكنها أن تُشبع الحياة الداخلية؟!
v نستيقظ كل يوم لنأكل ونشرب، ومع هذا لا يشبع أحد حتى لا يجوع أو يعطش بعد قليل.
نطلب الربح كل يوم، وليس للطمع حدود!
"العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع". من يحب الفضة لا تشبعه الفضة.
ليس للتعب حدود، ولا منفعة في الغنى[17].
هذا الموضوع تجده على منتديات يسوعنا فوق الزمان
[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]
القدِّيس أمبروسيوس
د. ليس من جديد في الخليقة:
مع ما ناله الجامعة من غنى وملذات متزايدة وشهرة ومجد، أدرك أنه ليس من جديد تحت الشمس. حقًا، تتطور الظروف الخارجية وإمكانيات الإنسان، لكن تبقى طبيعته وأيضًا أحاسيسه ودوافعه كما هي منذ خُلق الإنسان الأول. فما كان يثير غريزة الشاب في القرن الماضي قد يأنف منه الشاب المعاصر لكن تبقى طبيعة الغرائز في حياة الشاب كما هي عبر العصور، وإن اختلف شكل المثير. كل ما هو تحت الشمس لم يتغير، أما الجديد فهو ما فوق الشمس، أي التمتع بالحياة الجديدة التي لنا في المسيح يسوع شمس البر، فنسمعه يقول: "ها أنا أصنع كل شيء جديدًا" (رو 21: 5). نقول مع الرسول بولس: "إذًا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة؛ الأشياء العتيقة قد مضت؛ هوذا الكل قد صار جديدًا" (2 كو 5: 17).
كثيرًا ما يشعر الإنسان بالحاجة إلى التجديد... يطلب ما هو جديد لمجرد أنه جديد، ويرفض ما هو قديم لمجرد قدمه. هذا الشعور ينبع عن حاجة داخلية تمس كيان طبيعته، لكنه عوض تجديد طبيعته بروح الله القدُّوس يطلب تجديدًا أو تغييرًا خارجيًا، كالموديلات الجديدة، والنظريات الجديدة، والتعبيرات الجديدة، فتجد الإنسان المعاصر يريد لو أمكن أن يجدد كل ما هو حوله، ليس فقط عمله أو بيته أو مدينته أو سيارته بل وأحيانًا الزوج أو الزوجة... يشعر بشيء من الملل فيطلب التجديد!
النفس التي ترتبط بالسيِّد المسيح عريسًا لها يقودها الروح القدس إلى التجديد المستمر في الفكر الداخلي، فلا تشعر بملل أو ضجر، بل تحيا متهللة بالروح كما في السماء، لا تمسها الشيخوخة ولا يصيبها قِدَم.
v بكون الله كاملاً صار إنسانا كاملاً، ودخل بكل ما هو جديد إلى الكمال؛ هذا هو الأمر الجديد الوحيد تحت الشمس، خلاله أعلن غنى قدرة الله الفائقة![18].
الأب يوحنا الدمشقي
هـ. النسيان سمة كل العصور:
"ليس ذِكر للأولين، والآخِرُون أيضًا الذين سيكونون لا يكون لهم ذِكر عند الذين يكونون بعدهم" [11].
يعيش الإنسان مشتاقًا أن يخلد ذكراه أو ذكرى أسرته، لكن العالم ينسى الأولين، أما نحن الآخرون فستنسانا الأجيال القادمة. إذن ما هو نفع الإنسان إن ركّز تعبه في اقتناء غنى العالم أو مجده؟ الغنى يزول، والمجد يُنسى! حتى مجرد الذكرى فالزمن كفيل أن يُحطمها.
4. بطلان الحكمة البشرية [12-18] :
قدم الجامعة براهين من واقع الطبيعة عن بطلان العالم من جهة زواله، وعدم استقراره، وعجزه عن إشباع الإنسان الداخلي أو تجديد الطبيعة الإنسانية الفاسدة، موضحًا أن الزمن يُفقد الإنسان حتى شهرته أو مجده الذي بذل كل الجهد لاقتنائه. الآن وهو ملك عظيم لا يعوزه شيء يسعى وراء الحكمة البشرية، فاحصًا بالحكمة ما يدور في العالم لتكون له معرفة وعلم... إذا به يصل إلى خبرة سلبية غير مُشبعة.
أ. "أنا الجامعة كنت ملكًا على إسرائيل في أورشليم.
وجّهتُ قلبي للسؤال والتفتيش بالحكمة عن كل ما عُمل تحت السموات" [12-13].
وجه قلبه للسؤال والتفتيش بالحكمة، عوض رفع القلب إلى الله يطلب الحكمة السماوية (يع 1: 5). كان يلزمه الدخول في حوار مع الله الذي وحده يهب الحكمة السماوية البنَّاءة، عوض الحوار مع نفسه خارج دائرة الله، لينال حكمة بشرية عاجزة عن إشباع نفسه... "لأن في كثرة الحكمة الغم، والذي يزيد علمًا يزيد حزنًا" [18].
حكمة الله تكشف عن ضعفاتنا، لكنها تهبنا رجاءً، وتقدم لنا إمكانيات للعمل، أما الحكمة الإنسانية، فأنها وإن أظهرت الضعفات لكنها تدخل بنا إلى الغم واليأس: من يُجدد طبيعتي التي اكتشفت فسادها؟ من يقدر أن يُصلح ظروفي الداخلية والخارجية؟ من يُحرك العالم لبنياني؟ يقول الجامعة: "الأعوج لا يمكن أن يقوَّم، والنقص لا يمكن أن يُجبر" [15]... شعور مرّ بالعجز الكامل عن الإصلاح.
v لا يقدر الإنسان العنيد أن يصير فاضلاً (بحكمته)، ولا الفاسد أن يصير مُعتبرًا... يمكن أيضًا أن نفهم العبارة [15] هكذا: يوجد في هذا العالم شر عظيم هكذا، حتى أنه من الصعب العودة إلى الحالة الأصلية من الإصلاح. إنه ليس بالأمر السهل العودة إلى ما كان علية (الإنسان) في خلقته الأولى من كمال ونظام، إنما بالندامة يمكن إعادة الاستقامة إلى كل شيء، لكن يبقى الشيطان مقاومًا في خطئه[19].
القدِّيس جيروم
هنا يليق بنا التمييز بين الالتجاء إلى الحكمة البشرية وحدها، والاتكال على الخبرة الإنسانية المجردة، وبين تقدِّيس الفكر الإنساني والخبرات البشرية بعمل الله. لهذا لا نعجب إن رأينا القدِّيس أكليمنضس الإسكندري يؤمن بأنه لا عداوة بين الإيمان والفلسفة، فالأخيرة ليست عملاً من أعمال الظلمة كما يظن البعض، إنما هي تحمل حقًا جزئيًا، يحتاج إلى الكمال والتنقية من كل ما دخل إليه من شوائب خلال عمل الإيمان[20]. أما الآباء الذين هاجموا الحكمة الإنسانية إنما هاجموا الاتكال عليها خارج دائرة الله.
v في ظني كلّ إنسان عاقل يُفكر بأن العلم هو الأمر الرئيسي من بين كل ما هو حسن... علينا أن نحتفظ بما يمكنه أن يساعدنا على التأمل في الحق، متجنبين كل ما يؤدي إلى الشر والخطأ والهلاك[21].
v من الضروري أن نستعمل التمييز في التربية بطريقة نختار فيها العلم المفيد ونتجنب كل ما هو ضرر وشؤم[22].
v علينا أن نبتدئ بقراءة الفكر الدنيوي لنرتفع بعده إلى المقدسات وأسرار الإيمان... فإذا كان هناك موافقة بين هذه الثقافة وعقائدنا، كانت معرفتها من الإفادة بمكان كبير، وإلاَّ فالمقارنة في الحالة العكسية من شأنها أن تثبت اعتقاداتنا الصحيحة[23].
القدِّيس باسيليوس الكبير
لنطلب الحكمة التي تمتزج بالاتضاع والتي تتفق مع روح الإيمان، أما الحكمة النابعة عن كبرياء الإنسان واعتداده بذاته واعتزاله خالقه فهي عائق... يدعوها الآباء "حكمة هذا العالم".
v ليس من هو حكيم بالمعرفة إلاَّ الذي رفع عنه حكمة هذا العالم[24].
v حقِّر حكمتك وأرذلها، لتحل فيك حكمة الرب.
القدِّيس يوحنا سابا
ب. إن كان الله قد منح الإنسان اشتياقًا لطلب الحكمة وبحث كل الأشياء، فإن هذه الحكمة قد كشفت للجامعة أن الحياة التي قدمها له الله هي عناء رديء [13]؛ إذ يتساءل الكثيرون: لماذا أوجدنا الله في عالم مملوء شقاءً؟
لم يخلقنا الله لنعيش في عالم الشقاء والعناء، لكن إساءة استخدام العالم وإساءة النظرة إليه أفسدت حياتنا وشوهت صورة العالم في أعيننا.
"رأيت كل الأعمال التي عُملت تحت الشمس فإذا الكل باطل وقبض (انقباض) الريح" [14].
ماذا يعني "قبض الريح"؟ يُترجمها البعض "يُصارع مع الريح" أو "يقتات بالريح"، أي أن التقوُّت بالطعام ليس بذي قيمة كالريح، أو أن النفس في جوعها تمسك بكل ما هو حولها في العالم لتأكله، فإذا بها تأكل ريحًا، هذا يُشير إلى فقدان هدف الأنشطة البشرية وعُقْمها وعجزها عن تقديم شبعًا حقيقيًا داخل الإنسان أو إصلاحًا وعلاجًا داخليًا. ويرى القدِّيس أغسطينوس[25] أن انقباض الريح يُشير إلى الكبرياء الباطل الذي يسقط فيه الإنسان بطلبه الأمور الوقتية.
هذا ما بلغ إليه الجامعة خلال الحكمة والمعرفة التي نالها كملك إسرائيل، وقد اعتادت الشعوب المجاورة أن تقول: "هذا الشعب العظيم إنما هو شعب حكيم وفطن" (تث 4: 6). وقد عُرف سليمان بالحكمة، إذ يقول: "أنا ناجيت قلبي قائلاً: ها أنا قد عظُمت ازددت حكمة أكثر من كل من كان قبلّي على أورشليم، وقد رأى قلبي كثيرًا من الحكمة والمعرفة" [16].
ج. يُقدم لنا الجامعة خبرته وهو يسعى وراء الحكمة والعلم والمعرفة، أعظم ما في العالم، "لأن في كثرة الحكمة كثرة الغم، والذي يزيد علمًا يزيد حزنًا" [18]. هنا لا يُهاجم الحكمة أو العلم إنما يعلن عن عجزهما عن تحقيق السعادة والفرح للإنسان. فبالحكمة والعلم كما سبق فقلنا يكتشف الإنسان حاجته إلى أمور كثيرة يعجز عن بلوغها فيمتلئ حزنًا. وكما يقول القدِّيس أغسطينوس: [كلما اشتقت إلى الكثير ولا أجده هنا، أما يزداد بالأكثر حزني لأجله حتى يتحقق؟ أما أبكي بالأكثر حتى يتم ما أطلبه؟![26]]. كما يقول: [بنواله هذه المعرفة يقتني حزنًا أيضًا. وذلك لعجزه عن تحقيق الرغبة في بلوغ وطنه اللائق، وخالقه، وإلهه المبارك[27]]. ويقول القديس غريغوريوس النزيانزي: [يقول سليمان: قلت أكون حكيمًا، لكن (الحكمة) كانت بعيدة عني كل البعد. بالحق من يزداد معرفة يزداد غمًا. فإن الفرح الذي ينبع عما نكتشفه ليس بأعظم من الألم بسبب ما (لا نناله بل) يهرب منا؛ إنه ألم أتخيله كذاك الذي يشعر به الذين يُسحبون من المياه وهم ظمأى، أو الذين يعجزون عن بلوغ ما يظنونه ممسكين به، أو كمن يُترك فجأة في ظلمة بسبب انبعاث نور مبرق سريع[28]].
هذا هو عمل الحكمة أعظم ما نقتنيه هنا، فماذا تكون بقية أمور العالم؟ إننا في حاجة إلى "حكمة الله" الذي وحده يقدر أن يشبع النفس، لا إلى الحكمة الزمنية الأرضية.
"نتكلم بحكمة بين الكاملين، ولكن بحكمة ليست من هذا الدهر ولا من عظماء هذا الدهر الذين يبطلون، بل نتكلم بحكمة الله في سرّ، الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا" (1 كو 2: 6-7).
"ومنه أنتم بالمسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من الله، وبرًا وقداسةً وفداءً" (1 كو 1: 30).
إذن لنقتني مسيحنا في داخلنا، هو الحكمة الحق، وهو وحده القادر أن يُخلص نفوسنا ويشبعها وينميها ويمجّدها!