اذا
استخدم الذكاء فى حكمة, كان بركة عظيمة لصاحبه ولكل المتعاملين معه. وإذا
اُسئ استخدامه ينتج عنه شرّ وضرر. مثله مثل المال, والوقت, وبعض
المخترعات: على حسب استعمالها, تكون النتيجة خيراً أو شراً.., هكذا
الذكاء...
فالذكاء من جهة الخير:
* هو سبب نجاح الإنسان وسبب تفوقه, سواء فى الدراسة أو العمل أو أى مشروع
يقوم به, وهو أيضاً سبب نجاحه اجتماعياً فى علاقته مع الآخرين. وبالذكاء
يمكنه أن يخرج من أى مأزق, وأن يحل أى مشكلة تحل به.
* والذكاء مصدر كبير لروح الفكاهة والدعابة والترفيه. وكل الذين اتصفوا
بخفة الروح كانوا أذكياء, ويتقنون كيف يستخدمون الكلمة الواحدة بأكثر من
معنى, ويدركون العنصر الذى تتأثر به نفوسهم ويثير فيها روح المرح
والبهجة..
* والذكاء يصلح أيضاً فى الدفاع عن النفس والدفاع عن الغير. وهو لازم لمن يعملون فى مجال المحاماة وفى مجال التقاضى.
* والذكاء يصلح جداً للعاملين فى التحقيقات وفى الأمن. وبه يكتشفون
الجريمة ومرتكبيها, كما يكتشفون خداع من يفكر بينما هو المرتكب الحقيقى
للجرم... بل الذكاء أيضاً لكل من يدير عملاً ويراقب سير الأمور فيه.
* والذكاء نافع أيضاً لأن يتعرف به الإنسان على حقيقة ذاته وأسباب أخطائه
وطرق مقاومتها. والإنسان الذكى لا تخدعه حيل الشياطين فى إسقاطه. بل هو
أيضاً لازم لمن يعمل فى مجال الأرشاد الروحى, به يدرك عمق الحروب الروحية
وطرق مقاومتها...
* والذكاء نافع جداً فى كسب ثقة الناس واحترامهم. وكل الناس يعجبون بالإنسان الذكى, ويرحبون بصداقته وبالعمل معه...
* وإن كان الجمال سلاح المرأة ومصدر أعجاب الناس بها, فإن الذكاء كثيراً
ما يكون سلاح الرجل ومصدر ألتفاف الناس حوله. وهو الذى يرشحه لكثير من
الوظائف والمناصب, ويفسح له مجالاً فى العمل الأجتماعى.
ولكن الذكاء- للأسف- يُستخدم أحياناً بطريقة سيئة
*فقد يتحول إلى لون من المكر والدهاء.
* وما أسهل أن يُستخدم الذكاء فى الغش وفى التزوير, وفى تلفيق التهم على الأبرياء, وفى نهب الآخرين والسطو على حقوقهم.
* والمعروف أن أشهر قادة العصابات كانوا أذكياء. وكذلك كل من يقومون بأعمال التخريب وبأنواع شتى من الجرائم والنصب والأحتيال...
* وبالاستخدام السئ للذكاء يمكن خداع البسطاء. وكلما إشتد ذكاء اولئك
الأشرار يمكنهم أن يخدموا الكبار أيضاً... والبعض منهم يلتصقون بأصحاب
المناصب الكبيرة لكى يعملوا من خلالهم, إذ يشعرونهم أنهم أكثر الناس
إخلاصاً لهم, وأنهم يقدمون النصيحة النافعة, وبهذا ينالون ثقتهم ويورطونهم
فى أمور تضرهم...
* والذكاء السئ يمكنه أن ينشر الشائعات المغرضة, ويسبكها حتى تبدو وكأنها حقيقة يصدقها الغير...
* واذا استخدم الذكاء السئ فى مجال السياسة أو فى الحروب, أو خداع الأمم الضعيفة, فإنه يكون ويلاً لها...
* والذكاء السئ يمكن ان يُستخدم فى الجاسوسية بتمثيل ذكاء يستطيع به الجاسوس أن يتنكر أو يتخفى تماماً, ولا يسمح بمجال للشك فيه...
* ويعوزنا الوقت أن نتحدث عن ألوان الاستخدام السئ للذكاء
***
الفرق بين الذكاء والحكمة:
الذكاء يظهر فى التفكير العقلى السليم, والحكمة تظهر فى التصرف الحسن. وقد
يجتمعان معاً: فالانسان الحكيم يكون ذكياً. ولكن ليس كل ذكى يكون حكيماً
فى تصرفاته, إذ تقف أمامه عوائق معينة تعطل هذا الذكاء فى عمله.
ومن أجمل ما قيل فى الحكمة والذكاء, قول الشاعر
إذا كنت فى حاجةٍ مرسلاً :. فارسل حكيماً ولا توُصهِ
وإن باب أمر عليك التوى :. فشاور لبيباً ولا تعَصـهِ
***
فما هى الأمور التى تعوق الذكاء, وتفقده الحكمة فى التصرف؟
*ربما يكون انسان ذكيا, ولكنه قليل المعرفة. يقع فى أخطاء بعيدة عن الحكمة
فى التصرف, وتُسمى "خطايا الجهل". وقد يوجد انسان آخر كثير المعرفة عن
طريق قراءة واسعة فى الكتب, ولكنه ليس ذكياً, ويلقبونه بالانجليزية
Bookishمن قراءة الكتب بلا فهم أو بلا حكمة. فالكتب بالنسبة إليه طلاء
خارجى لشخصية فارغة من الداخل..!
* وربما يفقد الذكى الحكمةإن كان غضوباً أو متوتر الأعصاب, أو فى حالة
نفسية سيئة لا تساعده على التفكير. لذلك فإن العقل يتعطل عن قيادة
تصرفاته, وتتولى قيادته الأعصاب فيخطئ...
* وقد يوجد انسان ذكى, ولكنه شهوانى. وحينما تسيطر عليه الشهوة, لا تترك
مجالاً للعقل لأن يعمل. وحينئذ تقوده الشهوة, ويقع فى أخطاء وفى خطايا
بعيدة تماماً عن الحكمة على الرغم من ذكائه! أو قد يستخدم ذكاؤه فى تنفيذ
شهواته, غير حاسب نتائج كل ذلك... وربما تكون الشهوة شهوة المال, أو شهوة
الشهرة, أو شهوة السلطة, أو شهوة الجسد... وأياً كان نوعها, فإنها تعطل
عقله عن العمل السليم وعن التصرف الحكيم...
* وربما يكون الذكى سماعاً, أى يتأثر كثيراً بما يسمع, ويصدقه, ويثق بما
تصل إليه من معلومات, وما أكثر ما تكون خاطئة. ولكنه يبنى قراره حسب ما
يسمعه, ولا يكون قراراً حكيماً.
* وربما يساعده على هذا السلوك غير الحكيم, أنه ليس لديه وقت لفحص الأمر
ودراسته, فيتخذ قراراً خاطئاً بسبب سرعة البت فى الأمور. ويشبه الوقوع فى
مثل هذا الخطأ: الذكى ولكنه مندفع بطبعه. وبالمثل الإنسان الشديد
الحساسية...
ومن هذا كله نرى أن نوع النفسية تؤثر على استخدام الذكاء, أو تعوق أستخدامه أحياناً...
*فقد يكون الإنسان ذكياً, ولكنه مستعبد من عادة رديئة تسيطر عليه, وتخضعه
لحكمها, فيتصرف تصرفات خاطئة. إذ قد توقف العقل بكل ذكائه, وتولت العادة
دفة القيادة...
* أو قد تقوده مشاعر الحقد, أو الحسد, أو الغيرة, أو الغرور. وتدفعه
بعيداً عن الحكمة, ويستسلم ذكاؤه لتلك المشاعر فيخطئ ويرتكب ما لا يمكن أن
يفعله إنسان حكيم..!
حقاً أن الإرادة قد تقف ضد الذكاء. وإذا سيطرت, لا يكون الإنسان وقتذاك فى
كامل عقله ولا يتصرف بذكاء! وهكذا يفعل ما يضر نفسه, سواء كان يدرى ذلك أو
لا يدرى
***
نقطة أخيرة أقولها قبل أن أختم هذا الموضوع وهى:
متاعب الذكاء:
*كما أن الذكاء له منافع, له أيضاً متاعب!
منها أن الذكى قد يظن غيره على نفس الدرجة من الفهم, وقد لا يكونون ذلك.
فيتضايق إن لم يفهموا ما يريده منهم, أو ما يريده لهم. وربما تتعب أعصابه,
ويتضايق بسسب ذلك, ويثور أو يحزن, لأنه كان يتوقع غير ما يحدث..!
* أو قد يعتمد شخص على ذكائه, فلا يعمل ما ينبغى له أن يعمل, وذكاؤه وحده لا يكفى. فتكون النتائج سيئة..
* أو قد ينحرف إتجاه الذكاء فكراً وليس عملاً- ويستخدم كل طاقاته فى
الأنحراف الفكرى. ومثال ذلك بعض الفلاسفة الملحدين, كان لهم نشاط عقلى
كبير, ولكنه انحرف فوقع فى ضلال وأوقع غيره معه. وهكذا أصحاب البدع أيضاً