نكبة فادحة..!!
كلنا يسلم بأنك تعانين نكبة فادحة، وأن السيف قد تسلط من فوق على جزء حيوي (زوجكِ).. الأمر الذي لا يقدر أحد أن ينكره، حتى ولو كان رجل كلام غليظ القلب.
وإذ يلزم على الذين قد ضربوا بالحزن ألا يقضوا كل حياتهم في النحيب والعويل، بل عليهم أن يعالجوا جراحاتهم لئلا بإهمالهم تزيد دموعهم من جراحتهم، وتلتهب نيران حزنهم. لهذا فإنه من الصواب أن ننصت إلى كلمات التعزية، حاجزين ينبوع دموعنا إلى حين، ناحيتين للساعين إلى تعزيتنا.
لهذا، فإنني قد امتنعت عن إزعاجك يوم كان حزنك في أوج شدته، عند حلول الصاعقة بك، منتظرًا فترة من الزمن سامحًا لك أن تمتليء حزنًا. أما الآن فأنك تستطيعين النظر خلال الضباب الخفيف، وأن تفتحي أذنيك لمن يحاولون تعزيتك. فإنني أريد أن أعضد كلمات خادماتك لك مع شيء من المشاركة من جانبي.
فحيثما تكون الزوبعة عنيفة، ورياح الحزن شديدة، فإن من ينصح غيره (في هذه الظروف) بالكف عن الحزن، يكون بالحري قد أثاره إلى زيادة الحزن، ويسبب له كراهية (نحو ناصحه)، وتكون كلمات الناصح بالنسبة له كوقود تشعل نيران الحزن، بجانب نظرته إلى الناصح كإنسان قاسي وغبي. ولكن إذ تبدأ المياه المضطربة أن تستكين، ويكون الله قد هدأ الأمواج، عندئد يمكننا أن نبسط قلاع مراكب حديثًا بلا خوف. إذ في العاصف المعتدل يمكن للخبرة أن يكون لها نفعها. أما إذا كان هجوم الرياح عنيفًا، فالخبرة في هذه الحالة لا تجدي .
لهذا السبب، فإنني قبلئذ احتفظت صامتًا، أما الآن فقد تجاسرت لأكسر سكوتي، لأنني قد سمعت من خالك أنه يمكن للإنسان أن يبدأ في الحديث معك مستعيدًا شجاعته إذ أن بعض وصيفاتك الموقرات تجاسرن وفتحن الحديث معك في هذا الأمر، وأيضًا النسوة قريباتك القاطنات خارجًا عن مسكنك كما لو أنهن قد تهيأن للقيام بهذا العمل.
والآن إذ قد سمحتي لهن أن يتحدثن معك، فإن لي رجاء عظيم وثقة أكيدة أنك لا تحتقرين كلماتي بل تصغين لي حسنًا.
يسوع عريسك !!
في أي ظرف من الظروف المرأة أكثر حساسية للألم، خاصة وإن كانت صغيرة السن، وترملت قبل الأوان، وليس لها خبرة في الأعمال الكثيرة، وعليها مسئوليات كثيرة جدًا، خاصة وإن كانت حياتها الأولى يحفها الترف وتغمرها البهجة والغنى، فإن الشر عندئذ يكون مضاعفًا جدًا. فأن لم تنل مثل هذه المرأة عونًا من الأعالي، يستطيع أي فكر طارئ أن يحطمها.
والآن فإنني أقدم هذه (الرسالة) لتكون الشهادة الأولى والعظمى عن عناية الله بك،ِ حتى لا يبتلعك الحزن، ولا تهدمك أفكارك الطبيعية، عندما تعمل هذه المضايقات فجأة على غمك. فإنك لست محتاجة إلى يدٍ بشريةٍ، بل يد القدير التي لا حد لفهمها. وإلى الحكمة التي اكتشفت "أبو الرأفة وإله كل تعزية" (2 كو 3:1)، فقد قيل: "هو افترس فيشفينا" (هو 2:6)، " سيضربنا ويعصب جراحاتنا ويشفينا".
لقد كنت تتمتعين بالكرامة بوجود زوجك الطوباوي معك، كما كنت موضع عنايته وغيرته. حقًا لقد تمتعتي بما كنت تتوقعينه من زوج.
أما الآن وقد أخذ الله زوجك لنفسه، فإنه يحتل مكانه بالنسبة لك. هذا لا أقوله من عندي، بل يقول النبي الطوباوي "يعضد اليتيم والأرملة" (مز 9:146). وفي موضع آخر يقول: "أبو اليتامى وقاضي الأرامل" (مز 5:68). وهكذا نجد الله يهتم بهذه الفئة من البشرية بغيرة كما عبر عن ذلك بعبارات كثيرة.
هل تخجلين من دعوتك " أرملة " ؟
ربما كثرة ترديد اسم " أرملة " يضعف روحك ويبلبل فكرك، إذ صرت منكوبة وأنت في زهرة عمرك.
أريد أولاً وقبل كل شيء أن أناقش هذا وأبرهن لك أن لقب " أرملة" ليس عنوان لمصيبة بل لقب للكرامة. نعم أنه لقب لكرامة عظيمة. فلا تأخذي مفاهيم العالم الخاطئة كشهادة تتمسكين بها، بل تمسكي بنصائح الطوباوي بولس، بل بنصائح المسيح، لأن الرسول إنما يتكلم بواسطة المسيح، إذ يقول " المسيح المتكلم فيّ " 2كو3:13.
قال الرسول " لتكتتب أرملة إن لم يكن عمرها أقل من ستين سنة " وأيضًا « وأما الأرامل الحدثات فأرفضهن " 1تي 9:5،11. قاصدًا بكلا العبارتين أن يشير إلينا بخطورة الأمر.
فعندما نظم موضوع الأساقفة لم يحدد لهم السن، أما هنا فحدد السن، لماذا ؟ ليس لأن الترمل أعظم من الكهنوت، إنما لأن الأرامل لهن أعمال خطيرة .. فهن محاصرن بأعمال متنوعة، عامة وخاصة. وكما أن المدينة غير الحصينة تكون نهبًا لمن يريد أن يسلبها. هكذا السيدة الشابة الأرملة، كثيرون حولها يترقبونها, ليس فقط أولئك الذين يرغبون في نهب أموالها، بل والراغبون في إفساد عفتها أيضًا. هذا بجانب خضوعها لظروف أخرى تشبه حالة سقوطها، فاستهتار الخدم وأهمالهم في العمل، وفقدانها للكرامة التي كانت لها قبلاً، وتطلعها إلى نديداتها أنهن مازلن في رخاء، وإشتياقها إلى الترف؛ هذا كله يغريها إلى الزواج الثاني.
والبعض منهن لا يرغبن في الإرتباط برجل في ناموس الزواج، وهن يفعلن هذا حتى يتمتعن بكرامة الترمل.
فالترمل ليس بمخجل بل موضع اعجاب الرجال وتكريمهم، ليس بين الرجال المؤمنين فحسب بل وغير المؤمنين أيضًا.
فعندما كنت شابًا عرفت أن الفليسوسوف (لسوفسطائي) ([1]) الذي كان يعلمني، هذا الذي كان يوقر الآلهة أكثر من كل الرجال. هذا قد أظهر اعجابًا بأمي قبل أن تتكون رابطة قوية. إذ في استفساره عني كما كانت عادته أن يستفسر عن كل منهم حوله، قيل له أني ابن أرملة. فسأل عن عمر أمي وفترة ترملها. وإذ عرف أن عمرها أربعين عامًا، حيث قضيت عشرين عامًا منذ فقدت أبي، تعجب قائلا .. " يا الله !! أي نسوة هؤلاء اللواتي بين المسيحيين !! ".
هكذا عظيمة هي حياة الترمل ومكرمة. ليس في نظرنا نحن فقط بل وفي نظر من هم خارج الكنيسة.
... يقول الرسول بولس " لتكتتب أرملة إن لم يكن عمرها أقل من
ستين عامًا " 1تي9:5. ولا يكتفي بهذا التهيأ العظيم من جهة العمر حتى تحسب المرأة ضمن هذه الجماعة المقدسة (الأرامل ) بل يتطلب صفات أخرى إضافية " مشهودًا لها في أعمال صالحة أن تكن ربت الأولاد، أضافت الغرباء، غسلت أرجل القدسين، ساعدت المتضايقين أتبعت كل عمل صالح " 1تي10:5.
يا الله ! ! أي إختبار هذا ؟ ! وأي تقصٍ ؟ ! كم من الفضائل العظيمة يتطلبها في الأرملة ؟ ! واصفا إياها بدقة بالغة ! ! الأمر الذي ما كان يفعله لو لم يكن يميل أن يعهد إليهن بعمل عظيم ومركز مشرف.
أنه يقول " أما الأرامل الحدثات فأرفضهن "، والسبب في هذا "لأنهن متى بطرن على المسيح يردن أن يتزوجن " 1تي 11:5. بقوله هذا جعلنا نفهم أن اللواتي فقدن رجالهن هن عروسات للمسيح بدلاً من رجالهن. أنظري كيف يؤكد هذا عن طريق توضيح طبيعة هذا الاتحاد بهدوء وبساطة. أقصد بذلك قوله " متى بطرن على المسيح يردن أن يتزوجن "، كما لو أن المسيح زوجًا نبيلاً لا يريد أن يسيطر عليهن ( جبرَا ), بل يريد لهن أن يعشن بحرية.
والرسول في مناقشته لهذا الموضوع لم يقف عند هذه العبارات، إذ أوضح في موضع آخر... " وأما الممتنعة فقد ماتت وهي حية "، " ولكن التي هي أرملة ووحيدة فقد ألقت رجاءها على الله وهي تواظب على الطلبات والصلوات ليلاً ونهارًا "1تي 5:5، 6.
ويكتب إلى أهل كورونثوس قائلاً " ولكن أكثر غبطة إن ليثت هكذا" 1كو 40:7.
أنك ترين أي كرامة عظيمة تمنح للأرامل، وهذا في العهد الجديد عندما أضاء نور البتولية أيضًا بوضوح. ورغم شدة بهاء هذه الفئة ( البتوليون ) إلا أنها لا تطغي على امجاد الترمل، حيث تضئ للكل، محتفظة بقيمتها.
فعندما تتحدث عن الترمل من وقت إلى آخر، لا تتضايقي أو تخجلي منه كأمر معيب. لأنه لو كان الترمل معيبًا لكانت بالأكثر البتولية معيبة ولكن ليست هي الحقيقة. الله لا يسمح ! !
فطالما نحن جميعًا نعجب من النساء اللوتي يعشن بعفة أثناء وجود رجالهن وهم أحياء، ويحترمهن؛ ألسنا بالأكثر نعجب من أولئك اللوتي يحتفظن بنفس المشاعر لرجالهن حتى بعد وفاتهم، ونمدحهن على هذا ؟ !
كما كنت أقول، أنه بقدر ما تمتعتي بكرامة أثناء وجودك مع الطوباويTherasius ومكانة كأمر طبيعي تناله زوجة من زوجها، فأنه الآن لك الله، رب الكل، الذي هو من قبل حاميك ولازال يحميك، لكن بأكثر غيرة من قبل.
وكما سبق أن قلت، أعود فأقول أن الله يقوم بدور غير بسيط بخصوص عنايته بك، فيحفظك سالمة، لا يصيبك ضررًا وسط مثل هذا الآتون من القلق والحزن ولا يحملك أمرًا غير مفيد.
والآن، إن كان اللهلا يسمح بأي تدمير للسفينة في وسط ماء هادئ، فكم بالأكثر يحمي روحك في جو هادئ ويخفف حمل ترملك ونتائجه التي تبدو لك أنها مرعبة ! !